أقوم بإجراء الكثير من النقاشات على صفحتي على الفيسبوك حول المواضيع المنشورة هنا. أرجو الانضمام

Wednesday, January 4, 2012

أساطير التحرش الجنسي ... 2



مجموعة جديدة من الأساطير سنتعرض لها بالنقاش في هذه الحلقة فمرحباً بأصدقاء المدونة...
  • التحرش يحدث فقط للنساء المثيرات جنسياً.
  • المرأة تتسبب في التحرش لنفسها. 
  • يمكن للتصرف بطريقة معينة أو ارتداء ثياب معينة أن يحمي النساء من التحرش.

التحرش يحدث فقط للنساء المثيرات جنسياً هي أسطورة يؤمن بها الكثيرون و هدفها أن تكون جسراً لتحميل المرأة مسئولية الجريمة التي ترتكب في حقها. و رغم أنها أسطورة سهلة الدحض إلا أننا نجابه بها يومياً كلما خضنا مناقشة عن التحرش، حيث يطلب منا كنساء أن نشعر بالخزي و نصمت لأن النساء لو لم تكنّ تتصرفن بطريقة مثيرة و ترتدين ثياباً مثيرة لما حدث لهن ما حدث. و لكن في الحقيقة فإن المعايير التي يتم على أساسها اعتبار المرأة مثيرة أو لا هي معايير مائعة جداً و غير محددة. ما هو تعريف الإثارة؟ و من هو المخول لوضع هذا التعريف؟ أهو المجتمع أم الرجل على وجه التحديد؟ وأي رجل في الرجال؟ الصغير أم الكبير؟ النهم إلى الجنس أم مشبع الرغبات؟ ماذا بالضبط يجعل من امرأة ما امرأة مثيرة؟ هل هو شكلها؟ وجهها؟ ثيابها؟ جسدها؟ تصرفاتها؟ أم أن السبب الرئيسي في الإثارة هو شيء يكمن في ذهن الرجل أولاً و قبل كل شيء؟


حسناً حسب الفهم السائد في مجتمعاتنا للإثارة، فلننظر إلى الصورة في الجزء الأول من المقالة هل المرأة المتحرش بها هنا مثيرة جنسياً أكثر من الأخرى المتبرجة التي تقف بالقرب منها؟ هل هي مثيرة جنسياً أساساً؟ على مقياس من؟ الرجل العادي؟ أم الرجل المهووس بالجنس؟ الرجل الشرقي أم الرجل الغربي؟ الرجل المعتاد على رؤية النساء و التعامل معهن بصورة يومية و هن مكشوفات الوجوه و الشعور و النحور و السيقان؟ أم الرجل الذي يعيش في مجتمع كل نسائه مختنقات بالسواد؟ الرجل الذي يرى في المرأة شقيقة له في الإنسانية قبل كل شيء؟ أم الذي لا ينظر إلى المرأة إلا على أنها فرج يمشي على قدمين؟ ما هو المثير في هذه السيدة؟ شعرها المختبئ تحت الحجاب؟ أم منحنيات جسدها المختبئة تحت العباءة؟ و رغم كل ذلك فإن الواقع الذي يصدم أعيننا هو أنها تعرضت للتحرش بأبشع صوره. فما هو المثير فيها إذن؟ أهو إذن يا ترى مجرد كونها أنثى في عيني رجل لا يشغل باله شيء سوى الجنس ليل نهار؟


بل حتى المرأة المتبرجة في الصورة هل هي مثيرة فعلاً؟ كم من رجل سيراها مثيرة؟ و كم من رجل سيمر على مرآها مرور الكرام؟ كل حسب حالته الذهنية في تلك اللحظة. بل و حتى من سيعتبرها مثيرة، هل يعقل أن يراها مثيرة لدرجة تدعو للتحرش؟ هل هناك أساساً درجة من الإثارة يمكن أن تدعو إلى التحرش؟ و رغم كل ذلك فإن المتحرش الحقير في الصورة ترك هذه المرأة و تحرش بالأخرى. إذن التحرش هنا ليس مرتبطاً بجمال المرأة أو جاذبيتها. فبماذا إذن يرتبط التحرش؟ 

حسناً فلننظر إلى مثال آخر.

في المملكة العربية السعودية مثلاً تعاني النساء بصورة مستمرة من التحرش رغم أنهن يرتدين زياً إسلامياً كاملاً  يغطي أجسادهن تماماً حتى الوجوه و لا يبدو منهن سوى العيون. و رغم هذا فإن الرجال يتحرشون بهن كلما وجدوا طريقة لذلك. شاهدوا الفيديو أدناه.





و يستخدم الرجال هناك أحياناً طريقة للتحرش تسمى بالترقيم (حيث يلقي على الفتاة ورقة تحتوي رقم هاتفه حتى تتصل به لاحقاً إن شاءت أو حتى لا تتصل به فالأمر سيان و الفكرة في الترقيم ذات نفسه و ليست في الاتصال) فلماذا إذن يحدث هذا طالما أن هؤلاء النساء غير مثيرات جنسياً حسب التعريف أعلاه؟ أم أن المرأة تعتبر مثيرة في هذا الجزء من العالم لمجرد كونها امرأة (أو حتى لمجرد افتراض أنها امرأة، فمن الوارد جداً أن تكون المرأة المنقبة "المثيرة" التي تحرشت بها لتوك، في حقيقة الأمر رجلاً متنكراً لا يمتلك أياً من مقومات الإثارة المزعومة، و لكن من يهتم في هذا العالم المسعور؟!) هنا المرأة هي بالأساس أداة لممارسة الجنس و ليست إنساناً على وجه التحديد، أو ربما هي إنسان و لكن بدرجة يمكن تجاهلها. و الله المستعان.


حسناً إذا لم تكن هناك في واقع الأمر معايير معينة تجعل من امرأة ما مثيرة و من أخرى غير مثيرة؟ و إذا كان الأمر يختلف من انسان لآخر و من مجتمع لآخر و من ثقافة لأخرى، فهل يعقل أن نصدق الأسطورة التي تعتبر الإثارة- وهي ذلك المفهوم الزئبقي- سبباً رئيسياً للتحرش؟ هل يعقل أن نصدق ذلك و نحن نرى نساء يفترض بهن أن يخلون من أدنى مقومات الإثارة يتعرضن للتحرش بينما نساء يفترض بهن أن يكن أكثر إثارة بكثير تتم معاملتهن بكل تقدير و احترام؟ في حقيقة الأمر فإن مسألة الإثارة هذه هي مجرد حجة يختبيء خلفها المرضى و المهووسون و الدليل أن نفس هذه المرأة لو ذهبت بنفس ثيابها هذه إلى مجتمع محترم لسارت فيه بحرية و لو ذهبت إلى مجتمع مريض لتعرضت للتحرش بلا انقطاع. كفوا عن تحميل المرأة ذنباً هو ليس ذنبها. بل و الأدهى أن نفس هؤلاء الرجال المتحرشين الذين يعيشون بين ظهرانينا و الذين يتذرعون بأن إثارة المرأة غلبتهم على أمرهم نجدهم عندما يسافرون إلى بلاد الغرب ينقلبون إلى كائنات أخرى مختلفة تماماً فهم يتجولون في شوارع تلك البلدان بين النساء السافرات الجميلات دون أن تسول لهم أنفسهم أن يتحرشوا بهن و لو بمجرد نظرة غير محترمة. و لكنهم حال عودتهم إلى بلادنا التعيسة ينزعون ثياب الحمل و يرتدون جلد الضبع الحقير مرة أخرى لكي يعودوا إلى هوايتهم المحببة في التحرش بالنساء. ما هي إذن هذه الإثارة التي يتحدثون عنها بالضبط بحق السماء؟


و رغم كل هذا نجدهم و بمنتهى الوقاحة يصدحون بأن المرأة هي التي تتسبب في التحرش لنفسها و يحملونها المسئولية كاملة غير منقوصة بحيث أنه لو رفعت امرأة ما صوتها في الطريق العام أو في مركبة عامة تشتكي و تستغيث بأن رجلاً ما يقوم بالتحرش بها فإنها لن تواجه إلا باللوم و التقريع القاسي. مع إشعارها بالخزي و العار و تحميلها بالكامل مسئولية أن إنساناً حقيراً ما قام بالاعتداء على جسدها و سمح لنفسه بالتصرف فيه كما يشاء من دون وضع أي اعتبار لإرادة صاحبة الجسد نفسها و كأنها ليست بشراً. و رغم بشاعة و مرارة هذا الاعتداء و ظلمه إلا أنهم لا يخطر ببالهم حتى أن يوجهوا كلمة لوم واحدة أو اتهام للمجرم بينما يصبون جام غضبهم على الضحية. شيء يطير العقل يا ناس! عبارة أن المرأة تتسبب في التحرش لنفسها هي عبارة على درجة بعيدة من الحقارة و تجسد أبشع صور ظلم الإنسان لأخيه الإنسان. أي إنسان يحمل في ذهنه ضميراً يمكن أن يؤمن بهذه الأسطورة اللا أخلاقية؟


و أسطورة أخرى تبشر بأن التصرف بطريقة "غير مثيرة" و ارتداء ثياب غير مثيرة (كالحجاب الإسلامي طبعاً) هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن يحمي المرأة من التحرش. و هذه أسطورة يدحضها تماماً ما سبق ذكره أعلاه. ثم أن الحجاب و النقاب قد أثبتا فشلهما في حماية المرأة في السعودية و ما حذا حذوها من الدول حيث أنه في الوقت الذي ازدادت فيه و بصورة مهولة نسبة من يرتدين الحجاب في دولنا عما كان الوضع عليه في الماضي السعيد فإن التحرش الجنسي قد ازداد بصورة مهولة أيضاً. فهل طبيعة الارتباط هي على العكس تماماً مما يدعون أم ماذا؟


 بل و حتى في العصر الذهبي للإسلام ما كان أثر الحجاب و النقاب؟ هل قللا شيئاً من هوس العربي بالجنس؟ هل خففا من جوع أبناء الصحراء إلى حميمية اللقاء؟ هل منعا صلعم من استخدام الجنس طعماً أساسياً في قرآنه لإغراء الرجال بدخول الجنة، ممعناً و متفنناً في وصف الحور العين الأبكار اللائي لم يطمثهن قبلهم إنس و لا جان؟ حقاً و صدقاً هل منع الحجاب صلعم من الوقوع في عشق جسد زوجة ابنه البيضاء الغضة التي اقتحم عليها حجابها و سترها على غفلة منها؟ هل وقف الحجاب في وجه سيل الجواري و الغلمان الذين فجر و مجن و تمتع بهم أثرياء المسلمين في أوج مجد الامبراطورية الإسلامية؟ ماذا فعل الحجاب لكي يمنع أحد أهم علماء المسلمين جلال الدين السيوطي من تأليف كتابه ذاك عن الجنس و الذي يندى لاسمه فقط (ناهيك عن محتواه) جبين أكثر المسلمين تحرراً و انفتاحاً و "انحلالاً"؟


ثم ماذا بعد أن نحبس المرأة في الدولاب و يصير الفضاء بكامله خالصاً مخلصاً للرجل، ماذا بعد هذا؟ أين ستذهب الرغبات الجنسية للرجال و النساء؟ كيف سيمنعون أذهانهم من التفكير و التخيل و التمني؟ هل سيتوقفون تلقائياً عن التفكير في الجنس؟ هل هذا شيء ممكن من الأصل؟ إذا كان الجنس جزءاً لا يتجزأ من بيولوجية الإنسان بقدر ما أن التكاثر جزء لا يتجزأ من بيولوجية كل كائن حي فكيف إذن يمكن التخلص منه؟ كيف يمكن أن نحذف الجنس من قاموسنا؟ ذلك شئ مستحيل. إذا كان الطفل منذ صغره و من دون تدخل من أحد يتعلم أن يستكشف جسده بنفسه و يكون الجنس و لذته جزءاً أساسياً مما يكتشفه و يتعلمه عن نفسه بمرور الوقت، فكيف يمكننا أن نمنع ذلك؟ هل يمكننا أن نراقبه على مدار الساعة؟ كيف يمكننا أن نمنعه من التفكير في كيفية مجيئه إلى الحياة و ربط ذلك عاجلاً أو آجلاً بالجنس؟ كيف يمكننا أن نفسر له التغيرات التي ستطرأ على جسده في سن المراهقة؟ كيف نفسر له الرغبات التي تتولد في ذهنه و التفاعلات التي تحدث في جسده؟ بل و يا للسخرية كيف سنقسره على ألا يفكر في الجنس و هو يقرأ آيات القرآن التي تتحدث عن الجنس أو التي تصف الحور العين و كيف أنهن عذراوات، كأمثال اللؤلؤ المكنون في الجمال، كواعب ناهدات الصدور خلقن خصيصاً لمتعته الجنسية؟ هل بمجرد إبعاده و عزله تماماً عن الجنس الآخر سنتمكن من السيطرة على مارد الجنس؟ إن الدين الإسلامي في صراعه ضد الجنس إنما يصارع طواحين الهواء. هي معركة خسرها الله قبل أن يدخلها لأنها معركة ضد الطبيعة، و من هو الله لكي يقف في وجه الطبيعة؟!


و عموماً إذا كان الله المزعوم قد قام جدلاً بخلق المرأة مثيرة إلى درجة التحرش و خلق الرجل حيواناً إلى درجة السعار عجزاً منه عن أن ينتج خلقاً أفضل من هذا، و ضيق أفق منه عن أن يأتي بفكرة مختلفة تماماً عن هذه و قلة حيلة منه عن أن يخلق للمشكلة حلاً شافياً يفعّله معها بنفس الوقت، فما هو ذنب المرأة إذن في هذه الحكاية السقيمة لكي يتم الحكم عليها بالموت اختناقاً داخل نقاب؟ لماذا نحمل المرأة مسئولية إيجاد حل لخطأ ارتكبه الله؟ لماذا نحملها هي بالتحديد مسئولية إيجاد حل لهذه المشكلة العويصة؟ لماذا نلزمها هي بأن تضحي بحريتها و سعادتها الشخصية؟ لماذا لا نحمل المسئولية للرجل مثلاً؟ إذا كان الرجل قابلاً للإصابة بالسعار و يعرف ذلك عن نفسه فلماذا لا يمتنع ببساطة عن التحديق في النساء؟ 

و إذا كان هذا الحل المنطقي لا يكفي فلماذا مثلاً لا نلزم كل رجل بأن يسير في الشارع و هو معصوب العينين لكي لا يستطيع رؤية أي امرأة فيستثار، على أن يحمل في يديه عصا يستدل بها على الطريق؟ و صدقوني سيعتاد الرجل على ذلك سواء عاجلاً أم آجلاً (تحضرني هنا قصة ه. ج. ويلز بلد العميان حيث يرفض أهل قرية سكانها من المكفوفين رفضاً قاطعاً فكرة البصر مما يكاد يدفع بالرجل الوحيد المبصر بينهم إلى أن يرضى بفقأ عينيه لكي يستطيع التأقلم على الحياة في القرية) أو يمكننا كحل آخر للمشكلة أن نقوم بتكبيل الرجال مثلاً. حيث يمكن أن نلزم كل رجل بألا يخرج إلى الشارع إلا و هو مصفد اليدين خلف ظهره إلى حين أن يصل إلى مقصده حتى لا يتمكن من التحرش بالنساء. أفكار سادية و حمقاء أيضاً أليس كذلك؟ و لكنها ليست أكثر سادية و لا حماقة من فكرة الحجاب و النقاب. فعلاً الرجل ما ذنبه؟ و لكن ما ذنب المرأة أيضاً؟ إن ما يحدث للمرأة في مجتمعاتنا هو بنفس القدر من السوء إلا أنه للأسف سوء اعتدنا عليه فلم نعد قادرين على أن نحس بفداحته أو بمعاناة من يرزأن تحت وطأته. أراهن على أن أغلبية النساء في مجتمعاتنا لو كن يعرفن أن الحجاب ليس فرضاً من الله يعاقب على تركه بنار جهنم لما ارتدينه و لا "هوبن" نحوه حتى. دع عنك النقاب.


الصورة من ابداعات الزميل xyz بمنتدى اللادينيين العرب



هممم إذا كانت كل الحلول المتاحة لنا سادية و بشعة فإن الوضع مقبض تماماً إذن أليس كذلك؟ 
 
لا يا صديقي فالخبر السعيد هو أن المشكلة ليست في الحقيقة مشكلة و لا يحزنون، و أن المرأة ليست عورة و أن الرجل ليس مسعوراً. المشكلة تكمن حصراً في أذهاننا و ليست في أجسادنا و منحنياتها. هناك مجتمعات و ثقافات عديدة تعيش حرة تماماً دون أن تحمل هماً لمثل هذه الأمور. فهل نحن الوحيدون البشر على سطح هذا الكوكب؟ علينا إذن أن نراجع أنفسنا فمشكلتنا خاصة بنا نحن فقط و نحن من بيدنا حلها.

و هنا أستودعكم عقولكم إلى حين لقائنا في الحلقة القادمة :)