نعلم جميعاً أنه على الإنسان ألا يصدق بأي كلام يقال له حتى يتأكد من صحته بنفسه و يتأكد من مصداقية و موضوعية مصدر المعلومة. و أي معلومة جديدة يجب اختبارها و فحصها بدقة و مقارنتها بالمعلومات الموثقة المتوفرة لتحديد مدى صحتها.
و لكن لاحظت أنه أغلبنا نحن النساء الشرقيات نستقي الكثير من معلوماتنا عن ذواتنا مما يسمى بالكتب المقدسة، القرآن و الانجيل و التوراة. و نأخذ كل ما يرد في تلك الكتب على أنه الحقيقة المطلقة و نقبل بأي معلومة تأتي بها تماماً كما هي من دون أن نحاول تطبيق القاعدة التي أوردتها أعلاه في التحقق من مدى صحة هذه المعلومات "المقدسة" بل أعتقد أن عبارة مثل "التحقق من صحة المعلومات المقدسة" تبدو للكثير منا عبارة غريبة و غير مستساغة أو حتى مرفوضة تماماً. فكيف لامرأة من بني البشر أن تحاول الحكم على معلومة أوردها الإله بذات نفسه؟ أجل نحن نقبل هذه المعلومات الواردة عن أنفسنا كنساء من دون أن نطبق عليها قواعد التفكير النقدي، أو أن نحاول مقارنتها بما نعرفه عن أنفسنا سلفاً. و لكن هل يجب أن نستمر على هذا المنوال طويلاً؟
يتحصل الناس على المعرفة عن طريق الحواس الخمسة، عبر تجاربهم و الخبرات التي يمرون بها. و بعد ولادة الإنسان أول ما يبدأ الرضيع بالتعرف عليه و اكتساب معلومات عنه هي نفسه. يتعرف على جسده على شكله و وضعه و إحساسه به. يتعرف على احتياجاته الجسدية من جوع و عطش. يتعرف على مشاعره من خوف أو طمأنينة أو محبة للأم. و يكبر الإنسان و تتوطد صلاته مع نفسه أكثر، يتعرف عليها بصورة أكثر توسعاً و أكثر عمقاً، أفكاره، مبادئه، مشاعره، رغباته، أحلامه، مقدراته، امكانياته، عيوبه و مميزاته. لا أحد يستطيع أن يعرف إنساناً أكثر مما يعرف ذلك الإنسان نفسه. كيف لا و هو يعيش معها كل لحظة في حياتها دقيقة بدقيقة و ثانية بثانية؟ لا شئ و لا حتى الكتاب "المقدس" ينبغي أن يسمح له بمسح أو إعادة صياغة المعرفة التي نكتسبها عن طريق ملاحظتنا لذواتنا و سماع أفكارنا.
عندما تلاحظين شيئاً عن نفسك سجليه في ذهنك، فكري فيه و قومي بتحليله و استنتجي تفسيرك الشخصي و المنطقي لملاحظتك فأنت الأدرى بنفسك. لا تقبلي أي تفسير يمنحه لك أي شخص من دون أن تفحصيه و تحكمي عليه بنفسك. اجعلي عقلك هو مرجعيتك العليا و الأكثر مصداقية على الإطلاق. لا تقبلي أي كلام على علاته.
فلنفرض مثلاً أنك كنت تعيشين طوال العشرة سنوات الماضية مع أخويك في منزل واحد. دائماً كانت هناك مهام ينبغي أن تنجز بواسطتكم. أشياء يجب أن تفعلوها. خطط يجب أن تضعوها. و هناك أيضاً معلومات يجب أن تتذكروها: أعياد لتحتفلوا بها، مناسبات لتحيوا ذكراها، أرقام لتتصلوا بها، أشياء لتتذكروا الأماكن التي رأيتموها فيها آخر مرة، ديون لتسددوها، رسائل لتنقلوها شفاهة لأشخاص آخرين و ما إلى ذلك. و طوال هذه الفترة الماضية كنت أنت دائماً تقومين بهذه الأشياء و بنفس كفاءة أخويك في الحفظ و التذكر. و من ثم يأتي كتاب "مقدس" ما ليقول لك أنك كامرأة تملكين ذاكرة أكثر ضعفاً بمقدار النصف من ذاكرة أي من أخويك أو أي رجل آخر. و يقول: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى..
عند هذا هل ستصدقين الكتاب المقدس و تكذبين الدليل من ملاحظاتك الشخصية على نفسك و تدوسين على كل ما جمعته من معلومات سابقة بهذا الخصوص؟
صحيح أن هناك بعض الحالات التي تضعف فيها ذاكرة بعض النساء مثل الحمل مثلاً و ذاكرة بعض الرجال مثل الفترة التي تبدأ فيها معدلات هرمونات الذكورة بالانخفاض و لكن هذا لا يدعم تبرير القرآن لما قام به من استبعاد للنساء من الشهادة، و نفس الأمر صحيح بالنسبة للرجال.
بكل وضوح، لو كان الله عليماً بكل شئ فهو في هذه المرة قد فشل في أن يعرف كل شئ عن مقدراتك الذهنية و إمكانيات ذاكرتك يا سيدتي العزيزة. فكوني حريصة في انتقائك لمصادر معلوماتك و في من تضعين ثقتك به كمصدر للمعلومة و استخدمي دائماً أسلوب التفكير النقدي في تقييم جميع ما يرد إليك بلا استثناء.