106
مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
هذه إحدى أكثر الآيات القرآنية إثارة للجدل على مر العصور، فهي تتحدث عن مسألة مهمة جداً في الإسلام و لكنها في ذات الوقت مكتوبة بأسلوب شديد الغموض يجعل منها تقريباً آية عديمة الفائدة بل و سبباً في المزيد من التخبط و الالتباس. الآية تتحدث عن قضية نسخ القرآن الشهيرة جداً و المحورية أيضاً. و لكن ما الذي نعنيه بالضبط بتعبير "نسخ الآيات" ؟ الحقيقة إن هذا السؤال ذات نفسه هو سؤال تصعب الإجابة عليه إجابة واضحة و قاطعة و بالتالي فإننا لا نستطيع حتى أن نجزم بماهية ما تتحدث عنه الآية في الأساس.
الاختلاف بين المسلمين هو في معنى مصطلحَي "ننسخ" و "آية". مبدئياً النسخ لغوياً هو الإزالة أو هو إبطال شيء و إقامة شيء آخر مكانه (لسان العرب). و الآن ما هي هذه الآية التي نريد أن نزيلها؟ اختلف المسلمون. فهل المقصود بالآية هو الآية القرآنية؟ أم آية في أحد الكتب السماوية القديمة، حسب بعض الآراء؟ أم يقصد بها المعجزة؟ الملاحظ أن الكثير من ينكرون أن يكون المقصود هي الآيات القرآنية هم من المتأخرين و ذلك لرغبتهم الشديدة في تفادى الحرج الذي ينبع من مسألة النسخ كما فهمها صحابة النبي صلعم و تابعيهم و المفسرين الأولين.
الاختلاف الآخر هو في طبيعة النسخ. إذا كان المقصود هنا هو الآية القرآنية فكيف ننسخها أو نزيلها؟
الذين يدعون أن النسخ لا علاقة له أساساً بآيات القرآن يقولون أن المقصود هو أن الله ينسخ آيات الكتب القديمة بواسطة القرآن أو حتى ينسخ معجزات ما لا ندري ما هي بالضبط، و لا كيف يمكن أن يتم نسخها و هي قد حدثت و انتهت و لم يعد ممكناً التراجع عنها.
ما يظهر هو أنه لا يوجد أولاً ما يثبت أن الكتب القديمة كانت مكتوبة في شكل آيات. و لا أحد يعرف كيف كان شكلها فالتوراة و الانجيل الموجودة حالياً هي حسب عقيدة المسلمين محرفة تماماً. الشيء الثاني هو أن الله لو كان يقصد الكتب السماوية القديمة لكان حدد ذلك بوضوح لأن لفظ آية يستخدم بالنسبة للقرآن أكثر من أي كتاب آخر و ربما بصورة حصرية. ثم أن اللفظ على كل لم يحدد فيبدو أنه يشمل كلا من القرآن و أي آيات أخرى إلهية قد يثبت وجودها . كل هذه قابلة للنسخ و الإنساء.
على كل هناك آية أخرى في القرآن تؤكد على أن المقصود بالنسخ هو الآيات القرآنية فعلاً:
"وإذا بدَّلنا آيةً مكان آيةٍ والله أعلم بما يُنزِّلُ قالوا إنَّما أنت مفترٍ بل أكثرهم لا يعلمون" سورة النحل، الآية رقم 6
هنا من الواضح أن هؤلاء إنما اتهموا الرسول بالافتراء لأنه كان يحدث تغييراً في آياته هو نفسه التي يقول بأن الله أوحى بها إليه. ثم لا يلبث أن يستبدلها بآيات جديدة في حال لم تعد الآيات القديمة تخدم أهدافه. و عندما يسألونه لماذا يفعل ذلك يرد بأن الله يعرف جيداً ما يفعل و لا يجب عليهم أن يجادلوا في هذا الأمر. و حقيقة فإني لا ألوم هؤلاء على تفكيرهم بأن التفسير الوحيد لهذه الظاهرة الغريبة هي أن الرسول مفترٍ لا أكثر، خاصة و أنني أشاطرهم الرأي. فهل الله لا يعرف كيف ينزل آياته صحيحة و مضبوطة من المرة الأولى؟ ما ذهبوا إليه هو بنظري التفسير الوحيد المنطقي و الذي يفسر كل أوجه هذه الظاهرة العجيبة تفسيراً مقبولاً و سهل الهضم.
المحزن هو أن أحداً لم يحتفظ لنا بهذه الآيات التي استنزلها صلعم ثم تخلص منها لاحقاً لفظاً و معنى. حيث يبدو من الآية أعلاه أن هذا الشيء تكرر العديد من المرات. كانت ستكون دراسة شيقة و لكُنا عرفنا كثيراً عن تاريخ الدين الإسلامي و عن صلعم و طريقته في التفكير.
و يتثبت لدينا أكثر أن المقصود بالنسخ هي الآيات القرآنية عندما نقرأ هذه الآية الثالثة :
"وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رّسُولٍ وَلاَ نَبِيّ إِلاّ إِذَا تَمَنّىَ أَلْقَى الشّيْطَانُ فِيَ أُمْنِيّتِهِ فَيَنسَخُ اللّهُ مَا يُلْقِي الشّيْطَانُ ثُمّ يُحْكِمُ اللّهُ آيَاتِهِ" سورة الحج، الآية رقم 52
و التي تظهر بوضوح أن محمداً استخدم مسألة النسخ هذه أيضاً ليغطي على اضطراره لحذف آيات قالها كانت كارثية المحتوى لدرجة أنه اضطر لأن يدعي بأن المخلوق الخرافي الشرير المسمى بالشيطان هو الذي أوحى بها إليه. و أن جميع الأنبياء من قبله قد حدث معهم نفس الشيء، حتى لا يبدو بمظهر مخزٍ أمام غرمائه من المشركين، كونه يدعي أنه نبي و رغم ذلك يمكن للشيطان بكل سهولة أن "يلقي في أمنيته" كما يشاء.
إذن النسخ هو نسخ للآيات القرآنية، كما فهمه معاصرو النبي و من تبعهم من المفسرين و هم في نظري أقرب الناس إلى التوصل إلى المعنى الصحيح للآية بما أنها نزلت بلغتهم و لغة عصرهم و هم أٌقرب منا إلى مصدرها الأساسي.
فما هي كيفية النسخ؟ حسب علماء المسلمين فإن النسخ أنواع:
- أن يحذف نص آية ما و يبقى معناها ثابتاً
- و أن تحذف الآية لفظاً و معنى
- و أن يحذف المعنى و يبقى اللفظ في المصحف من دون أن يُعمل بالحكم المتضمن فيه.
و هذا الكلام فيه غرابة شديدة. قد أفهم أن تنسخ آية و ينسخ معها حكمها كذلك، باعتبار أن الله قد أخطأ فيها أو أنها لم تعد ملائمة لأهدافه فقام بالتخلص منها. و لكن ما معنى أن ينسخ حكم آية و يبقى لفظها؟ ما فائدة بقاء اللفظ في هذه الحالة؟ حتى يتذكر المسلمون الذي مضى و الآيام الخوالي مثلاً؟ و الأدهى هو قيام الله بنسخ ألفاظ بعض الآيات مع الاحتفاظ بحكمها!!! فقط أريد أن أفهم ما هي الفائدة من هذا التصرف العجيب؟ إذا كان الله يريد أن تبقى آية ما فاعلة و يُعمل بها فلماذا يقوم بحذفها من الأساس؟؟؟
مثال لبعض من الآيات التي يقول علماء المسلمون بأنها نسخت حكماً بينما ظل لفظها مشمولاً في القرآن :
يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4)
آيات سورة المزمل التي تأمر صلعم بقيام مقدار كبير من الليل في التهجد و قراءة القرآن. و التي عاد فنسخها بالآية الأخيرة من نفس السورة و التي تم تضمينها على ما يبدو لاحقاً بعد أن عجز صلعم و أتباعه عن الامتثال لهذا الأمر الإلهي و علم أو اكتشف الله ذلك فاضطر إلى أن يخفف عنهم و يطلب منهم أن يكتفوا بالقيام و قراءة ما تيسر لهم في الليل.
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20)
و لا أدري ما السبب الذي جعل الله يتسرع بإعطاء الأمر الأول و هم يعلم سلفاً (كما يفترض) أن نبيه و من معه لن يستطيعوا الالتزام بذلك. و لا أدري لماذا أصر على الاحتفاظ بالأمر الأول في القرآن رغم قيامه بنسخه لاحقاً.
مثال آخر
الآية 3 من سورة النور
الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)
و التي حرم الله فيها على الزاني أو الزانية أن يتزوج بأحد المؤمنين ممن لم يزنوا من قبل (و من البديهي أن النكاح هنا مقصود به الزواج و ليس الجماع لأنه في هذه الحالة سيكون مجرد تفسير للماء بالماء) و قد عاد الله و نسخ هذا الحكم و سمح بتزويج الزناة. و يقال بأن الآية التي نسخت هذا الحكم هي الآية 32 من سورة النور نفسها
وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32)
و هنا أيضاً لا يوجد أي مبرر لأن يأمر الله بعدم تزويج الزناة ثم يعود فيتراجع عن قراره هذا. و كذلك لا أدري لماذا قرر الاحتفاظ بالحكم في القرآن رغم نسخه.
من الملاحظ أن علم النسخ تقريباً هو بأكمله علم اجتهادي تماماً و ليس علماً أصيلاً مأخوذاً عن الله نفسه أو عن نبيه. فهو لا يوجد لا في الآيات و لا في الأحاديث. و رغم أن القرآن أثبت مسألة النسخ ذاتها في عدة آيات إلا أنه لم يحاول أبداً أن يفسر طبيعتها أو يوضح غموضها. و كذلك محمد لم يحاول أبداً أن يوجه صحابته لفهم طبيعة النسخ هذا أو يشرح لهم غوامضه. بل ترك لصحابته و تابعيه من بعده أن يحاولوا الوصول إلى الحقيقة عبر سلسلة من التحليلات و التخمينات و التي بطبيعة الحال أتت متضاربة متناقضة مع بعضها البعض.
حيث توصل بعض علماء المسلمين إلى أن عدد الآيات المنسوخة مائتين أو يزيد. بل و قال البعض بأنها لا حصر لها. بينما البعض الآخر حدد عددها بخمسة أو أقل. بل إن البعض نفى وجود النسخ تماماً و يصر على أن كل آيات القرآن محكمة و غير منسوخة. فرق شاسع أليس كذلك؟ و لكل منهم حججهم و براهينهم التي يستندون عليها. مما جعل المسلمين في بلبلة حقيقية. هل يتبعون حكم الآية الفلانية أم أنها منسوخة؟ هل يلتزمون بما ورد في الآية العلانية أم أنها ألغيت بواسطة الآية الأخرى المناقضة لها؟ و أيهما هي الناسخة و أيهما هي المنسوخة؟ هل تنسخ الآية الجديدة القديمة؟ أم أن بعض الآيات وقتية المفعول؟ و ما هو ترتيب نزول الآيات بالضبط؟ و ما هي قصص نزولها؟ و أيها وقتي المفعول و أيها دائم؟ إلى آخر ذلك من التساؤلات المشروعة و التي لا تكاد تجد لها أجوبة.
و السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: لماذا لم يقم صلعم بالتوضيح للمسلمين بالضبط ما هي الآيات المنسوخة سواء لفظاً أو حكماً أو كليهما و ما هو البديل الذي أنزل ليحل محل كل منها بالضبط؟ لماذا لم يأمره الله بذلك؟ لماذا لم يهتم بهذه المسألة ذات الأثر الضخم؟ ألم يكن يعلم ما سيترتب عليها من تبعات و من آثار بعيدة المدى؟ لماذا ترك المسلمين يتخبطون: هذه منسوخة. لا هذه لا تزال موجودة. لا هذه هي الأصل الأصيل، كما تتحدث بعض فئات المسلمين عن آيات المهادنة مثل "لكم دينكم و لي دين" و التي يقول الأغلبية أنها منسوخة بآيات القتال بينما يدعي هؤلاء بأنها هي الأصل الذي يجب أن يرجع إليه المسلمون بعد انتهاء ظروف الحرب؟؟
على كل فإن صلعم اعتاد طيلة فترة نبوته على التشدق بالآيات الغامضة من أمثال يس و طسم و أمثال آية النسخ هذه من دون أن يكلف خاطره بشرحها أو حتى مجرد التعليق على غموضها. بل يترك مهمة الشرح و التوضيح و حتى التقاتل على المعاني لغيره من صحابته الذين لا يوحى لهم للأسف الشديد ولا يستطيعون قراءة ذهن الله. و الله طبعاً لم يكلف خاطره بشرح الآيات لنبيه أو تكليفه بشرحها للأتباع و اكتفى بأن يترك الكتاب كما هو غامض المعنى و محدود الفائدة إن لم يكن مضراً. بل إن الله في إحدى الآيات قد اعترف بأن الكثير من آياته هي آيات غير ذات معنى واضح و أنه هو الوحيد (أي الله) الذي يعلم بمعناها. و اكتفى بذلك!! سنتحدث عن هذه الآية لاحقاً عندما نبتدئ التعليق على سورة آل عمران.
و الآن فلنعد إلى النسخ نفسه. سؤالنا الأساسي هو: ما الذي يضطر الله إلى إنزال آيات ثم إعادة نسخها مرة أخرى؟ أليس الله عليماً يعلم الصواب من الخطأ و يعرف كل شيء مسبقاً و يدرك أبعاد كل الأشياء التي حدثت و كل الظروف التي ستحدث؟ و حكيماً أحكامه دائماً صحيحة و مطلقة و لا تحتاج إلى تصويب؟ فلماذا إذن يحتاج إلى إعادة تصويب نفسه في كل مرة؟ و لمن يقول بأن بعض الأحكام تتغير حسب السياق التاريخي و أن ما كان يصلح ذات يوم لمحمد و أتباعه لم يكن بالضرورة ليصلح لهم غداً، أليس الاعتراف بهذا الأمر يعني بأن القرآن عموماً و كل الآيات و كل الأحكام الإلهية هي ليست مطلقة بل نسبية و هي ليست صالحة لكل زمان و مكان بل تتأثر بالظروف التي تنزل فيها؟ لأن ما يصلح لقوم لا يصلح لغيرهم بل قد لا يصلح لهم أنفسهم بعد مرور بعض الوقت أو تغير بعض الظروف. فلماذا نصر على أن القرآن لا يزال يصلح الآن بعد مرور 1400 عام على نزوله و أكثر؟ أراهن على أن الله لو كان لا يزال ينزل القرآن إلى اليوم لكان قد قام بالملايين من عمليات النسخ و الإنساء لأنه في كل يوم تحدث تطورات جديدة تستوجب أحكاماً جديدة. كان مثلاً نسخ آيات الرق و الاستعباد بمجرد أن أعلنت الدول الغربية أن الرق لم يعد مسموحاً به. و كان غيَّر الأحكام الشخصية و أحكام المعاملات بمجرد أن أخرجت الدول الغربية لنا مواثيق حقوق الإنسان. و لا عجب فالله دائماً متأخر بخطوة عن البشرية. و حتى الإعجاز العلمي في القرآن دائماً يظهر لنا بعد أن يقوم العلماء بالاكتشاف. و لم نسمع يوماً عن شخص اكتشف شيئاً مباشرة من القرآن. كل ذلك بسبب غموضه الفائق الذي يجعل المعلومات المضمنة فيه غير واضحة و غير مفيدة للقراء يا ترى؟ أم لأنه فعلاً خال من المعنى و المضمون المفيد؟؟
إذا كانت فترة نبوة محمد و التي استمرت 23 عاماً فقط قد استوجبت هذا العدد الكبير من عمليات النسخ و الإنساء، فهل من المنطقي أن الفترة بعد وفاة محمد إلى قيام يوم القيامة يمكن أن تتحكم فيها تماماً نسخة جامدة من القرآن؟ من المنطقي أنه في كل فترة زمنية قصيرة ستكون هناك تغييرات عديدة و ستتطلب هذه التغييرات الكثير من التعديلات في الأحكام و التعاليم القرآنية و الكثير من النسخ و الإنساء و الاستبدال. الآن تغيرت حياة البشر كثيراً و تطوروا و تحضروا و أصبحت ظروف حياتهم حالياً مختلفة تماماً عما كانت عليه قبل 1400 عام. ألا يستوجب هذا قرآناً جديداً تماماً؟ إن هناك مئات الآيات القرآنية الموجودة اليوم و سارية المفعول و التي نطلب من الله تعالى في حال كان لا يزال موجوداً أن يقوم بنسخها أو إنسائها فوراً. و أقترح عليه أن يقول كن فيكون و تختفي هذه الآيات المشينة مرة واحدة من كل مصاحف الدنيا و تختفي من أذهان الحفظة جميعهم في نفس الوقت. و هكذا يكون قد قام بنسخها و إنسائها بضربة واحدة. و إذا كان مصراً فبإمكانه أن يقوم بالإيحاء إلينا جميعاً بآيات بديلة تحتوي أحكاماً متطورة عن تلك التي تم نسخها. و إن كنت شخصياً أرى أننا بني البشر يمكن أن نستغني عن هذه الخدمة الأخيرة و نكتفي تماماً بقوانيننا المدنية و أحكامنا التي نضعها لأنفسنا بأنفسنا و لا ننفك نطورها باستمرار.
ثم ختاماً الإنساء و ما أدراك ما الإنساء! هناك الكثير من الكلام عن كمية الآيات القرآنية التي نساها النبي، بعضها تذكره مرة أخرى بالصدفة و بعضها نستطيع أن نستنتج أنه لم يتذكره أبداً بما أن الإدعاء يقول بأن الله هو الذي أنساها له.
هذا الحديث من البخاري
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ، اَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ اَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ ـ رضى الله عنها ـ قَالَتْ سَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يَقْرَاُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ " رَحِمَهُ اللَّهُ، لَقَدْ اذكرني كَذَا وَكَذَا ايَةً، اَسْقَطْتُهُنَّ مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا ". وَزَادَ عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ تَهَجَّدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِي فَسَمِعَ صَوْتَ عَبَّادٍ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ " يَا عَائِشَةُ، اَصَوْتُ عَبَّادٍ هَذَا ". قُلْتُ نَعَمْ. قَالَ " اللَّهُمَّ ارْحَمْ عَبَّادًا ".
أما أنا فالأكثر منطقية لي هو أن محمداً قد جابهه قومه بمسألة نسيانه هذه فما كان منه إلا أن يقول لهم بأن الله قد عمد إلى أن يجعله ينسى هذه الآيات و ألا يجزعوا لأن الله سيستبدلها بآيات خير منها. المشكلة هي في الآيات التي نسيها الصحابة بعد موت النبي و فشلوا تماماً في أن يتذكروها لكي يضمنوها في القرآن. هذه كيف يمكن لله أن يأتي بخير منها أو مثلها بعد أن مات الإنسان الوحيد الذي خلقه الله "عظيماً" بما يكفي لكي يستحق أن يوحى إليه؟؟ و إذا كان الأمر كذلك فما هي فائدة هذا التعهد الإلهي في الآية أعلاه بتعويض المسلمين عن كل آية تضيع أو تنسخ؟؟ أم هذا النسيان الأخير خارج عن فكرة النسخ و بالتالي خارج عن إرادة الله؟؟
صحيح مسلم صفحة 116
حدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى قالا حدثنا أبو وهب اخبرني يونس عن ابن شهاب قال اخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة انه سمع عبد الله بن عباس يقول قال عمر بن الخطاب وهو جالس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله قد بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وانزل عليه الكتاب فكان مما انزل عليه آية الرجم قرأناها ووعيناها وعقلناها فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان إن يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله وان الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف.
فأين ذهبت آية الرجم هذه؟؟ نسيها الصحابة؟؟
ابن ماجه (1944)
حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف ثنا عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة وعن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشرا ولقد كان في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها
وأخرجه أحمد (6/269) وأبو يعلى في المسند(4587) والطبراني في الأوسط (8/12) وغيرهم
و هناك آثار أخرى وردت عن هذا النسيان.
حدثني سويد بن سعيد حدثنا علي بن مسهر عن داود عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه قال ثم بعث أبو موسى الأشعري إلى قراء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرؤوا القرآن فقال أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم فأتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة أني قد حفظت منها "لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا ولا يملأ جوف بن آدم إلا التراب" و كنّا نقرأ سورة كنّا نشبـّـهها بإحدى المسبِّحات فأنسيتها غير إنّي حفظت منها "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادةٌ في أعناقكم فتُسألون عنها يوم القيامة." (صحيح مسلم)
و المزيد.
قال أبوعبيد: "حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: ليقولن أحدكم قد أخذت القرآن كله وما يدريه ما كله قد ذهب قرآن كثير ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر" (السيوطي- الإتقان في علوم القرآن.)
في كنز العمال:2/480: عن حذيفة قال قال لي عمر بن الخطاب:(كم تعدُّون سورة الأحزاب؟قلت ثنتين أو ثلاثاً وسبعين، قال: إنْ كانت لتقارب سورة البقرة، وإن كان فيها لآية الرجم). ونحوه أحمد:5/132 ، والحاكم:2/415 ،و:4/359 وصححه . والبيهقي:8/211. وكنز العمال:2/3-
و غير ذلك الكثير.
Previous visitor comments on the article