أقوم بإجراء الكثير من النقاشات على صفحتي على الفيسبوك حول المواضيع المنشورة هنا. أرجو الانضمام

Monday, November 21, 2011

أساطير التحرش الجنسي


حسناً لا أدري كيف استطاعوا التقاط صورة بهذا الوضوح لحادثة التحرش المقرفة و المقززة هذه. و لكن شكراً لكل مجهود يعري سوأة مجتمعاتنا و يكشف حقيقتنا المؤلمة أمام أنفسنا.

أعلم وقع الصورة المؤلم على النفوس، و لكن رجاءً تحملوا معي قليلاً مثلما أن ملايين النساء في بلداننا المنحوسة يتحملن مثل هذه التصرفات المشينة بصورة يومية من رجال تدنوا كثيراً من مرحلة الإنسانية إلى مراحل لا تتدنى إليها أكثر الحيوانات وحشيةَ و افتراساً.





 أكثر ما لفت انتباهي في الصورة هو أن الرجل المتحرش لم يلتفت إلى المرأة المتبرجة و اختار أن يتحرش بالمرأة المحجبة الواقفة أمامه. أمر يبدو غريباً للوهلة الأولى. ترى ما هي دلالاته؟


مسألة مهمة أخرى لفتت انتباهي احتوتها التعليقات التي كتبت على الصورة و التي كانت تتهم المرأة بأنها هي المخطئة و أنها هي السبب الرئيس في ما جرى لها. بل إن بعض المعلقين على الصورة (لاحظ: الصورة و ليس الفيديو) نندوا بأن المرأة لم ترفض تحرش الرجل بها و قرروا أنها بالتالي عاهرة!!

تساءلت بيني و بين نفسي، لماذا كل هذا الظلم؟ لماذا دائماً نحن مجتمع يبريء الجاني و يدين الضحية؟ و إذا كان مفهوم العدالة في ذهن مجتمعنا مشوهاً بهذا الشكل فما هو الحل إذن؟ حتى متى سيتعين على النساء تحمل التحرش و تحمل اللوم عليه أيضاً؟

أعتقد أن السبب في هذا الظلم هو أن ثقافتنا محملة بالكثير من الأساطير التي تعشعش في أذهان الجميع حول مسألة التحرش الجنسي، أساطير غير منطقية و تترتب عليها نتائج و تصرفات فادحة. بل و أن هذه الأساطير تساهم بشكل كبير في مفاقمة مشكلة التحرش و صعوبة إيجاد حل لها.

جانب من أساطير التحرش:
  • الرجال غير قادرين على التحكم في رغباتهم الجنسية.
  • التحرش يحدث فقط للنساء المثيرات جنسياً.
  • المرأة تتسبب في التحرش لنفسها. 
  • يمكن للتصرف بطريقة معينة أو ارتداء ثياب معينة أن يحمي النساء من التحرش.
  • المتحرشون الجنسيون هم مرضى نفسيون.
  • جميع المتحرشين يفعلون ذلك لعجزهم عن العثور على شريكة راضية لممارسة الجنس معهم.
  • لا تتأذى الضحية من التحرش إلا لو تم استخدام العنف.
  • إذا لم تعلن المرأة رفضها للتحرش فهذا يعني أنها موافقة عليه.
  • النساء يرغبن في الممارسة الجنسية القسرية.

دعونا نفكفك هذه الأساطير واحدةً واحدةً: 

أولاً هناك الأسطورة التي تقول بأن الرجال (كونهم غالبية المتحرشين) معذورون لأنهم بطبيعتهم يعجزون عن السيطرة على رغباتهم الجنسية.

حسناً لا يوجد رجل و لا امرأة في الدنيا ليست لديهم رغبات جنسية أو لا يمكن استثارتهم و لكن الفرق بين الإنسان و "الحيوان" هو أن الإنسان يستطيع التحكم في رغباته بينما هذا الحيوان المسعور غير قادر أو غير راغب في التصرف بطريقة متحضرة .

إحصائياً يمكن دحض هذه الأسطورة بملاحظتنا أنه رغم أن الجميع يشعرون بالإثارة الجنسية إلا أنه ليس جميع الرجال يمارسون التحرش الجنسي. بل إن ظاهرة التحرش الجنسي و صورها تختلف باختلاف المجتمعات. فنجدها متفاقمة بشدة  في دول مثل مصر بينما نفس هذه الظاهرة كانت شبه غير متواجدة في نفس البلد قبل عقود مضت. الصورة أعلاه مثلاً من المغرب العربي بينما نجد أن الدول الغربية مثلاً تقل فيها جداً ظاهرة التحرش في الطرقات. فهل يختلف الرجال هنا عن الرجال هناك؟ أم أن اختلافات الثقافات هو الفرق؟

و يجب في هذا السياق أن نفرق بين حالتين ذهنيتين هما:

  • الإثارة الجنسية: و هي شعور "بسيط" مكمنه في الدماغ، مصدره إما الدماغ نفسه (حيث يمكن أن يكون الشخص جالساً مع نفسه مثلاً ثم يحس بالرغبة الجنسية) أو مصدره التعرض إلى مؤثر (منظر، رائحة إلخ) أو موقف مثير جنسياً.
  •  الإصابة ب"السعار الجنسي": و السعار الجنسي في مفهومي الخاص هو عبارة عن شعور مركب جزء منه هو الإثارة الجنسية التي يتم تهويلها إلى حد كبير بالإضافة إلى الكثير من النذالة و الحقارة و عدم احترام الآخرين ثم أيضاً الاستهتار و عدم الشعور بالمسئولية عن الذات، و عدم الرغبة في التحكم بها بتاتاً. و هذا الشعور بالتحديد هو السبب وراء التحرش الجنسي.

الرجال "المحترمون" مثلاً يحسون بالاثارة الجنسية و لكنهم لا يصابون بالسعار الجنسي الذي يجعلهم يهرعون للتحرش أو المضايقة أو الاغتصاب. كذلك غالبية النساء (باستثناء القلة المتحرشة) يحسسن بالإثارة مثلما الرجال و لكنهن لا يصبن بالسعار.

      و لكي تحس بالإثارة الجنسية يجب أن تكون مهيأ لها ذهنياً و إلا فإنه بإمكان منظر مثير أن يفشل في إثارتك. و يمكنك أيضاً تجاهل الإثارة الجنسية عندما تأتي إليك في اللحظة غير المناسبة. يمكنك أن تطردها من ذهنك بالتشاغل عنها بالتفكير في شيء آخر أكثر أهمية بالنسبة لك في تلك اللحظة أو أكثر قبولاً و اتساقاً مع الموقف أو حتى بغض البصر مثلاً (وسيلة إسلامية تبدو جيدة لولا أن أضاف الإسلام الحجاب مما جعل غض البصر- فعلياً- عديم الأهمية و لكن هذا حديث آخر) و يمكنك أيضاً و بالتأكيد أن تستمتع بهذا الشعور (الإثارة الجنسية) بينك و بين نفسك من دون أن تحاول الاعتداء على الآخرين. كل هذه الطرق هي طرق متحضرة للتعامل مع هذا الحالة الذهنية الطبيعية. أما السعار الجنسي فإنه يدفع بضحيته (هذا لو اعتبرناه ضحية) إلى ارتكاب أفعال أقل ما يقال عليها أنها حقيرة.


 و يظن البعض بأن المرأة عاجزة عن الشعور بالإثارة و هذا غير صحيح. كذلك يظن البعض أنه لا تأثير لرؤية جسد الرجل على المرأة و هذا أيضاً غير صحيح. قد لا يمتلك الرجل صدراً ناهداً أو منحنيات جميلة و لكنه قد يمتلك شعراً جميلاً أو عيوناً معبرة أو أكتافاً عريضة أو بطناً عضلية مشدودة أو مؤخرة جذابة أو غير ذلك من التفاصيل التي تعتبر مثيرة. و مثلما أن الإجزاء المختلفة من جسد المرأة قد تعتبر مثيرة جنسياً في ثقافات ما و غير مثيرة في ثقافات أخرى (مثلاً في بعض المجتمعات البدائية تسير النساء مكشوفات الصدور و لا يسبب ذلك أي توتر جنسي لمن حولهن. بل إن صدر المرأة و هي ترضع طفلها يمثل منظراً عادياً و غير مثير للكثير من الرجال في الوقت الذي قد يكون فيه نفس الصدر مثيراً بالنسبة لهم في موقف آخر) 





بنفس الطريقة فإنه يمكن لجسد الرجل أن يحمل دلالات مختلفة باختلاف الثقافات. و في الوقت الحالي فإن المزيد من النساء يتعلمن أن يستثرن جنسياً برؤية جسد ذكوري قوي و متناسق العضلات في الوقت الذي كانت فيه جداتهن و أمهاتهن في كثير من الثقافات غير قادرات على الشعور بالإثارة الجنسية مطلقاً و يتسمن بالبرود الذي قد يسبب الضيق لأزواجهن. و يشتكي البعض حالياً من تفاقم ظاهرة تشييء جسد الرجل و التي تبدو آثارها في الإعلانات التي يظهر فيها رجال وسيمون أو مثيرون جنسياً أو مكشوفو الجزء الأعلى من الجذع إلخ.

و على صعيد آخر فإنه مثلما أن بإمكان منظر مثير جنسياً أن يصبح غير مثير بالنسبة لك بسبب التعود فإن العكس صحيح و يمكن لشخص ما أن يتعلم الإحساس بالكثير من الإثارة الجنسية لرؤية منظر لا يعتبر مثيراً في العادة. سمعنا مؤخراً بقرار هيئة الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر السعودية أن تلاحق صاحبات العيون الفاتنة!! الحرمان الجنسي و الهوس الجنسي الناتج من التربية في مجتمع يحتل الجنس الحيز الأكبر من تفكيره و يمثل فرج المرأة شغله الشاغل يمكن أن يؤدي إلى مثل هذه النتائج المثيرة للدهشة. 

الخلاصة هي أن الأسطورة الأولى في عالم التحرش خاطئة لأن الإثارة الجنسية شعور طبيعي يشعر به الجميع من رجال و نساء و أن التحرش ليس نتيجة طبيعية للإثارة الجنسية بل هي تتطلب كذلك قدراً من اللاأخلاقية في مركب أطلقت عليه  اسم السعار الجنسي سنتطرق لتفاصيله لاحقاً

و للحديث بقية