أقوم بإجراء الكثير من النقاشات على صفحتي على الفيسبوك حول المواضيع المنشورة هنا. أرجو الانضمام

Friday, March 8, 2013

الماضي و الحاضر و المستقبل



    كنت أقوم في اليومين الماضيين بقراءة أحد كتب المفكر السوري الرائع فراس السواح عنوانه "لغز عشتار" و هو كتاب يتحدث عن ألوهة الأنثى عبر العصور و كيف أن أول معبود خضع له الإنسان كان أنثى و هو ما يعرف بالإلهة الأم Mother Goddess  أو ما يطلق عليه كاتبنا اسم "عشتار" و هو الاسم الذي عرفت به هذه الإلهة في بلاد الرافدين.




    عكس لي ذلك الكتاب صورة زاهية عن وضع اجتماعي للمرأة لم أكن لأتخيله و لا في أجمل أحلامي. من يصدق أنه ذات يوم على سطح نفس هذا الكوكب كانت النساء تتمتعن بنفس الاحترام و الحفاوة و التكريم التي يتمتع بها الرجل بل و أكثر. يقول الكاتب أن رجال ذلك العصر كانوا شجعان أقوياء أشداء مثل رجال العصر البطريركي الذكوري و لكنهم كانوا يقدمون النساء رغم بنيتهن الأضعف، في جميع شئونهم،  ليس بدافع الخوف أو الرهبة و لكن بدافع الحب و الاحترام. حبهم للمرأة و احترامهم لها، لإمكانياتها المتعددة، لخصوبتها، لقدرتها الفريدة على منح الحياة. الحب و الاحترام الذين نفتقدهما كثيراً في عصرنا الراهن دون أن نكون واعين لذلك.

    ففي هذا العصر، الرجال يظنون أنهم هم العقلاء و النساء ناقصات عقل بينما تظن النساء أن الرجال ليسوا سوى أطفال بأجساد كبيرة يمكن خداعهم و السيطرة عليهم بمعسول الكلام. يظن الرجال أن المرأة مهما كبرت ستظل قاصراً تحتاج لولي أمر يتحكم في شئونها. و رغم ذلك يتشدق الرجال بتقديرهم و تكريمهم للمرأة. أي تكريم بالضبط؟ يؤمن الرجال عندنا بأن النساء مخلوقات تتحكم فيها الغرائز و أنهن غاويات مغويات و حبائل للشيطان بل و أن المرأة تقبل و تدبر في صورة شيطان (حديث "شريف"). بينما تظن المرأة أنه أيما رجل يقول "أحبك" فهو إنما يريد استغلالها و الوصول إلى جسدها و أن الرجال كلهم في حقيقة الأمر خائنون بالفطرة. و رغم ذلك تتشدق النساء باحترامهن للرجال. و الذي يبدو لي هو أن هذا الاحترام المزعوم ليس سوى الكثير من الرعب و الخوف من الرجل مع بعض النفاق.

     يوصي الرجل ابنه بأن يذبح لزوجته القطة يوم الزفاف لكي يخيفها و تظل تحت سيطرته و طوع بنانه بينما توصي المرأة ابنتها بأن تتحكم في زوجها جيداً و تسيطر عليه باستخدام أية طريقة كانت بدأ من الجنس و انتهاءً بالاستعانة بالدجالين و المشعوذين. أين هي المحبة؟ أم هي حرب سيطرة و صراع إرادات؟ لماذا نسي الإنسان في هذا العصر البطريركي كيف يحب؟ لماذا نسي كيف يحترم و يقدر الآخر؟ لماذا يريد الرجل أن يسيطر على المرأة بقوة القانون و تريد هي السيطرة عليه بالمكائد و الدسائس؟ في أي عصر من العصور السحيقة تاهت منا الثقة.

    إننا لا نطالب بأن تعود المرأة إلهاً يقدس و يعبد من جديد، فليس أبغض إلينا من التمييز بين الناس على حسب نوعهم. و لكن كل ما نريده هو المساواة المستحقة.

    المزيد من المشاكل في علاقة الرجل بالمرأة في هذا الجزء من العالم بالتحديد تبرز صورة تبدو أتعس بكثير من الماضي السعيد. في الإسلام هناك حديث يروى عن نبي المسلمين و يقول فيه: "النكاح استعباد" و ما كذب الرجل! فالزواج في الإٍسلام ليس سوى أن يقوم الرجل بشراء أمة له بنقوده. يدفع لها مهراً فيستحل به فرجها. ثم يظل ينفق عليها و بالمقابل يبسط سيطرته الكاملة على مجريات حياتها بأدق تفاصيلها. و بإمكانه مثلاً أن يمنعها من الخروج من المنزل تماماً لو شاء. بإمكانه أن يأمرها فلا تتزين عند الخروج و أن ينهاها فتتوقف عن العمل و تتفرغ "للأطفال". بإمكانه أن يأمرها فيحصل عليها و لو كانت على التنور. بإمكانه أن يضربها لو خاف نشوزها! و هذه يا سادتي هي "القوامة" الإسلامية! بموجب عقد الزواج الإسلامي يصير للزوج حق القوامة على الزوجة أو بلفظ آخر حق الاستعباد. أين صك العبودي.... عفواً أقصد عقد الزواج الإسلامي هذا من ذلك العقد الزوجي الفرعوني الذي عثر عليه في احدى التنقيبات الأثرية (و تجدونه في الكتاب). يتعهد الرجل لزوجته في العقد:

    منذ اليوم أقر لك بجميع الحقوق الزوجية و منذ اليوم لن أفوه بكلمة واحدة تعارض هذه الحقوق. لن أقول أمام الناس بأنك زوجة لي بل سأقول بأنني زوج لك. منذ اليوم لن أعارض لك رأياً و تكونين حرة في غدوك و رواحك دون ممانعة مني. كل ممتلكات بيتك لك وحدك و كل ما يأتيني أضعه بين يديك.

    عندما قرأت هذه العبارات تأثرت كثيراً. ربما كان ذلك أمراً عادياً جداً لدى هؤلاء الفراعنة و لكنه بالنسبة لنا في هذا العصر هو أمر غريب، مميز، مدهش، يبعث في نفسي الكثير من التقدير و الاحترام لهم، و بعض الغيرة أيضاً ممن كتبت لأجلهن هذه العقود. الحقوق الزوجية المذكورة في العقد هي مزيج من الحرية التامة و الاحترام و التقدير لرأي المرأة و المكانة الاجتماعية المميزة. و حين يتعهد الرجل بأن يضع ممتلكاته بين يدي زوجته فإنه ليس مجبراً و لا مقسوراً و لكنها الثقة و الإعزاز.

    دعونا إذن نقارن هذا الحب المدهش لدى الفراعنة بالحب في عصرنا هذا. بالنظر إلى طيبعة العلاقات القائمة داخل مؤسسات الزواج في مجتمعنا الشرقي لفتت انتباهي مسألة محيرة و هي أن الحب بطريقة ما يعتبر هو الطريق إلى الزواج و قد لاحظت التضاد الكبير بين مفهوم الحب كما يجب أن يكون و مفهوم الزواج لدى الشرقيين. فالحب يرسم صورة لارتباط عميق و تكامل بين الطرفين المحبين مبني على المودة و الاحترام بينما الزواج في مجتمعاتنا ليس سوى مؤسسة استعبادية يلعب فيها الرجل دور السيد بينما تلعب فيها المرأة دور الجارية. و شتان ما بين الحب و الاستعباد.

    عندما يتودد الرجل إلى المرأة محاولاً اقناعها بالزواج منه فإنه يتحدث عن الحب. و أنا أعتقد أن هذا نوع من الكذب و الخداع. لماذا يرسم الرجل للمرأة صورة حالمة عن طبيعة العلاقة التي يرجوها بينهما بينما حقيقة الأمر هو أنه يبحث لنفسه عن جارية و ليس حبيبة؟ هل يخطر على باله أنه فعلاً يسعى لاستعباد من يحب؟

    أحياناً أفكر أن من يحب امرأة حباً حقيقياً صادقاً فإنه سيحاول جاهداً أن ينقذها من أن تقع في براثن الزواج و ليس أن يحاول الإلقاء بشباكه من حولها!

    عندما يقول لها مثلاً أنه مستعد لفعل كل ما تطلبه أو يتعهد بأنه سينصت دائماً باهتمام لكل طلباتها و احتياجاتها فهل يخطر على باله أنه إنما يدعوها في الحقيقة إلى علاقة يكون له فيها عليها حق الطاعة و يكون فيها هو السيد المطلق و الآمر الناهي و لا يكون بيد زوجته سوى أن تسمع له و تطيع؟

    عندما يعدها أنه سيهتم بها و يرعاها و يحميها هل يخطر على باله أنه ربما تعين عليه أن يحميها من نفسه في المقام الأول؟ من استعلائه و قسوته و جبروته و سيطرته المطلقة؟

    نستطيع أن نلوم الرجل طويلاً و لكن أعتقد بأن على المرأة لكي تحظي بالاحترام و الثقة التي ترجوها أن تحترم نفسها جداً و تثق بها هي أولاً. فلا تتوقعي من الرجل أن يبادر هو باحترامك بينما تؤمنين أنت و تؤكدين بإصرار متزايد على أن عقلك ناقص. إن عشتار التي كان الرجال يتساقطون تحت أقدامها متعبدين لها راجين رضاها كانت تمشي على الأرض بثقة و فخر و خيلاء و لم تكن تلزم بيتها لأن جسدها عورة أو تكتم أنفاسها لأن صوتها عورة أو تخفي وجهها تحت طبقة تلو طبقة من الثياب.

    و ماذا عن الغد؟

    أمنياتي للمرأة الشرقية في عيدها هذا أن تتمكن من النظر لنفسها نظرة جديدة و مختلفة. أن تحاول أن ترى الإنسان الجميل الكامن داخل هذا الجسد الجميل و الذي طالما علموها أن تخجل منه و تخفيه. أن ترى هذا الإنسان و تقدره و تحترمه و تفخر به. أن تتذكر أن هذا الإنسان كان في يوم من الأيام إلهاً يتعبد له و تقدم له القرابين. أفلا يحق له اليوم أن يحظى على الأقل ببعض الحب و الاحترام و التقدير؟



Wednesday, January 4, 2012

أساطير التحرش الجنسي ... 2



مجموعة جديدة من الأساطير سنتعرض لها بالنقاش في هذه الحلقة فمرحباً بأصدقاء المدونة...
  • التحرش يحدث فقط للنساء المثيرات جنسياً.
  • المرأة تتسبب في التحرش لنفسها. 
  • يمكن للتصرف بطريقة معينة أو ارتداء ثياب معينة أن يحمي النساء من التحرش.

التحرش يحدث فقط للنساء المثيرات جنسياً هي أسطورة يؤمن بها الكثيرون و هدفها أن تكون جسراً لتحميل المرأة مسئولية الجريمة التي ترتكب في حقها. و رغم أنها أسطورة سهلة الدحض إلا أننا نجابه بها يومياً كلما خضنا مناقشة عن التحرش، حيث يطلب منا كنساء أن نشعر بالخزي و نصمت لأن النساء لو لم تكنّ تتصرفن بطريقة مثيرة و ترتدين ثياباً مثيرة لما حدث لهن ما حدث. و لكن في الحقيقة فإن المعايير التي يتم على أساسها اعتبار المرأة مثيرة أو لا هي معايير مائعة جداً و غير محددة. ما هو تعريف الإثارة؟ و من هو المخول لوضع هذا التعريف؟ أهو المجتمع أم الرجل على وجه التحديد؟ وأي رجل في الرجال؟ الصغير أم الكبير؟ النهم إلى الجنس أم مشبع الرغبات؟ ماذا بالضبط يجعل من امرأة ما امرأة مثيرة؟ هل هو شكلها؟ وجهها؟ ثيابها؟ جسدها؟ تصرفاتها؟ أم أن السبب الرئيسي في الإثارة هو شيء يكمن في ذهن الرجل أولاً و قبل كل شيء؟


حسناً حسب الفهم السائد في مجتمعاتنا للإثارة، فلننظر إلى الصورة في الجزء الأول من المقالة هل المرأة المتحرش بها هنا مثيرة جنسياً أكثر من الأخرى المتبرجة التي تقف بالقرب منها؟ هل هي مثيرة جنسياً أساساً؟ على مقياس من؟ الرجل العادي؟ أم الرجل المهووس بالجنس؟ الرجل الشرقي أم الرجل الغربي؟ الرجل المعتاد على رؤية النساء و التعامل معهن بصورة يومية و هن مكشوفات الوجوه و الشعور و النحور و السيقان؟ أم الرجل الذي يعيش في مجتمع كل نسائه مختنقات بالسواد؟ الرجل الذي يرى في المرأة شقيقة له في الإنسانية قبل كل شيء؟ أم الذي لا ينظر إلى المرأة إلا على أنها فرج يمشي على قدمين؟ ما هو المثير في هذه السيدة؟ شعرها المختبئ تحت الحجاب؟ أم منحنيات جسدها المختبئة تحت العباءة؟ و رغم كل ذلك فإن الواقع الذي يصدم أعيننا هو أنها تعرضت للتحرش بأبشع صوره. فما هو المثير فيها إذن؟ أهو إذن يا ترى مجرد كونها أنثى في عيني رجل لا يشغل باله شيء سوى الجنس ليل نهار؟


بل حتى المرأة المتبرجة في الصورة هل هي مثيرة فعلاً؟ كم من رجل سيراها مثيرة؟ و كم من رجل سيمر على مرآها مرور الكرام؟ كل حسب حالته الذهنية في تلك اللحظة. بل و حتى من سيعتبرها مثيرة، هل يعقل أن يراها مثيرة لدرجة تدعو للتحرش؟ هل هناك أساساً درجة من الإثارة يمكن أن تدعو إلى التحرش؟ و رغم كل ذلك فإن المتحرش الحقير في الصورة ترك هذه المرأة و تحرش بالأخرى. إذن التحرش هنا ليس مرتبطاً بجمال المرأة أو جاذبيتها. فبماذا إذن يرتبط التحرش؟ 

حسناً فلننظر إلى مثال آخر.

في المملكة العربية السعودية مثلاً تعاني النساء بصورة مستمرة من التحرش رغم أنهن يرتدين زياً إسلامياً كاملاً  يغطي أجسادهن تماماً حتى الوجوه و لا يبدو منهن سوى العيون. و رغم هذا فإن الرجال يتحرشون بهن كلما وجدوا طريقة لذلك. شاهدوا الفيديو أدناه.





و يستخدم الرجال هناك أحياناً طريقة للتحرش تسمى بالترقيم (حيث يلقي على الفتاة ورقة تحتوي رقم هاتفه حتى تتصل به لاحقاً إن شاءت أو حتى لا تتصل به فالأمر سيان و الفكرة في الترقيم ذات نفسه و ليست في الاتصال) فلماذا إذن يحدث هذا طالما أن هؤلاء النساء غير مثيرات جنسياً حسب التعريف أعلاه؟ أم أن المرأة تعتبر مثيرة في هذا الجزء من العالم لمجرد كونها امرأة (أو حتى لمجرد افتراض أنها امرأة، فمن الوارد جداً أن تكون المرأة المنقبة "المثيرة" التي تحرشت بها لتوك، في حقيقة الأمر رجلاً متنكراً لا يمتلك أياً من مقومات الإثارة المزعومة، و لكن من يهتم في هذا العالم المسعور؟!) هنا المرأة هي بالأساس أداة لممارسة الجنس و ليست إنساناً على وجه التحديد، أو ربما هي إنسان و لكن بدرجة يمكن تجاهلها. و الله المستعان.


حسناً إذا لم تكن هناك في واقع الأمر معايير معينة تجعل من امرأة ما مثيرة و من أخرى غير مثيرة؟ و إذا كان الأمر يختلف من انسان لآخر و من مجتمع لآخر و من ثقافة لأخرى، فهل يعقل أن نصدق الأسطورة التي تعتبر الإثارة- وهي ذلك المفهوم الزئبقي- سبباً رئيسياً للتحرش؟ هل يعقل أن نصدق ذلك و نحن نرى نساء يفترض بهن أن يخلون من أدنى مقومات الإثارة يتعرضن للتحرش بينما نساء يفترض بهن أن يكن أكثر إثارة بكثير تتم معاملتهن بكل تقدير و احترام؟ في حقيقة الأمر فإن مسألة الإثارة هذه هي مجرد حجة يختبيء خلفها المرضى و المهووسون و الدليل أن نفس هذه المرأة لو ذهبت بنفس ثيابها هذه إلى مجتمع محترم لسارت فيه بحرية و لو ذهبت إلى مجتمع مريض لتعرضت للتحرش بلا انقطاع. كفوا عن تحميل المرأة ذنباً هو ليس ذنبها. بل و الأدهى أن نفس هؤلاء الرجال المتحرشين الذين يعيشون بين ظهرانينا و الذين يتذرعون بأن إثارة المرأة غلبتهم على أمرهم نجدهم عندما يسافرون إلى بلاد الغرب ينقلبون إلى كائنات أخرى مختلفة تماماً فهم يتجولون في شوارع تلك البلدان بين النساء السافرات الجميلات دون أن تسول لهم أنفسهم أن يتحرشوا بهن و لو بمجرد نظرة غير محترمة. و لكنهم حال عودتهم إلى بلادنا التعيسة ينزعون ثياب الحمل و يرتدون جلد الضبع الحقير مرة أخرى لكي يعودوا إلى هوايتهم المحببة في التحرش بالنساء. ما هي إذن هذه الإثارة التي يتحدثون عنها بالضبط بحق السماء؟


و رغم كل هذا نجدهم و بمنتهى الوقاحة يصدحون بأن المرأة هي التي تتسبب في التحرش لنفسها و يحملونها المسئولية كاملة غير منقوصة بحيث أنه لو رفعت امرأة ما صوتها في الطريق العام أو في مركبة عامة تشتكي و تستغيث بأن رجلاً ما يقوم بالتحرش بها فإنها لن تواجه إلا باللوم و التقريع القاسي. مع إشعارها بالخزي و العار و تحميلها بالكامل مسئولية أن إنساناً حقيراً ما قام بالاعتداء على جسدها و سمح لنفسه بالتصرف فيه كما يشاء من دون وضع أي اعتبار لإرادة صاحبة الجسد نفسها و كأنها ليست بشراً. و رغم بشاعة و مرارة هذا الاعتداء و ظلمه إلا أنهم لا يخطر ببالهم حتى أن يوجهوا كلمة لوم واحدة أو اتهام للمجرم بينما يصبون جام غضبهم على الضحية. شيء يطير العقل يا ناس! عبارة أن المرأة تتسبب في التحرش لنفسها هي عبارة على درجة بعيدة من الحقارة و تجسد أبشع صور ظلم الإنسان لأخيه الإنسان. أي إنسان يحمل في ذهنه ضميراً يمكن أن يؤمن بهذه الأسطورة اللا أخلاقية؟


و أسطورة أخرى تبشر بأن التصرف بطريقة "غير مثيرة" و ارتداء ثياب غير مثيرة (كالحجاب الإسلامي طبعاً) هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن يحمي المرأة من التحرش. و هذه أسطورة يدحضها تماماً ما سبق ذكره أعلاه. ثم أن الحجاب و النقاب قد أثبتا فشلهما في حماية المرأة في السعودية و ما حذا حذوها من الدول حيث أنه في الوقت الذي ازدادت فيه و بصورة مهولة نسبة من يرتدين الحجاب في دولنا عما كان الوضع عليه في الماضي السعيد فإن التحرش الجنسي قد ازداد بصورة مهولة أيضاً. فهل طبيعة الارتباط هي على العكس تماماً مما يدعون أم ماذا؟


 بل و حتى في العصر الذهبي للإسلام ما كان أثر الحجاب و النقاب؟ هل قللا شيئاً من هوس العربي بالجنس؟ هل خففا من جوع أبناء الصحراء إلى حميمية اللقاء؟ هل منعا صلعم من استخدام الجنس طعماً أساسياً في قرآنه لإغراء الرجال بدخول الجنة، ممعناً و متفنناً في وصف الحور العين الأبكار اللائي لم يطمثهن قبلهم إنس و لا جان؟ حقاً و صدقاً هل منع الحجاب صلعم من الوقوع في عشق جسد زوجة ابنه البيضاء الغضة التي اقتحم عليها حجابها و سترها على غفلة منها؟ هل وقف الحجاب في وجه سيل الجواري و الغلمان الذين فجر و مجن و تمتع بهم أثرياء المسلمين في أوج مجد الامبراطورية الإسلامية؟ ماذا فعل الحجاب لكي يمنع أحد أهم علماء المسلمين جلال الدين السيوطي من تأليف كتابه ذاك عن الجنس و الذي يندى لاسمه فقط (ناهيك عن محتواه) جبين أكثر المسلمين تحرراً و انفتاحاً و "انحلالاً"؟


ثم ماذا بعد أن نحبس المرأة في الدولاب و يصير الفضاء بكامله خالصاً مخلصاً للرجل، ماذا بعد هذا؟ أين ستذهب الرغبات الجنسية للرجال و النساء؟ كيف سيمنعون أذهانهم من التفكير و التخيل و التمني؟ هل سيتوقفون تلقائياً عن التفكير في الجنس؟ هل هذا شيء ممكن من الأصل؟ إذا كان الجنس جزءاً لا يتجزأ من بيولوجية الإنسان بقدر ما أن التكاثر جزء لا يتجزأ من بيولوجية كل كائن حي فكيف إذن يمكن التخلص منه؟ كيف يمكن أن نحذف الجنس من قاموسنا؟ ذلك شئ مستحيل. إذا كان الطفل منذ صغره و من دون تدخل من أحد يتعلم أن يستكشف جسده بنفسه و يكون الجنس و لذته جزءاً أساسياً مما يكتشفه و يتعلمه عن نفسه بمرور الوقت، فكيف يمكننا أن نمنع ذلك؟ هل يمكننا أن نراقبه على مدار الساعة؟ كيف يمكننا أن نمنعه من التفكير في كيفية مجيئه إلى الحياة و ربط ذلك عاجلاً أو آجلاً بالجنس؟ كيف يمكننا أن نفسر له التغيرات التي ستطرأ على جسده في سن المراهقة؟ كيف نفسر له الرغبات التي تتولد في ذهنه و التفاعلات التي تحدث في جسده؟ بل و يا للسخرية كيف سنقسره على ألا يفكر في الجنس و هو يقرأ آيات القرآن التي تتحدث عن الجنس أو التي تصف الحور العين و كيف أنهن عذراوات، كأمثال اللؤلؤ المكنون في الجمال، كواعب ناهدات الصدور خلقن خصيصاً لمتعته الجنسية؟ هل بمجرد إبعاده و عزله تماماً عن الجنس الآخر سنتمكن من السيطرة على مارد الجنس؟ إن الدين الإسلامي في صراعه ضد الجنس إنما يصارع طواحين الهواء. هي معركة خسرها الله قبل أن يدخلها لأنها معركة ضد الطبيعة، و من هو الله لكي يقف في وجه الطبيعة؟!


و عموماً إذا كان الله المزعوم قد قام جدلاً بخلق المرأة مثيرة إلى درجة التحرش و خلق الرجل حيواناً إلى درجة السعار عجزاً منه عن أن ينتج خلقاً أفضل من هذا، و ضيق أفق منه عن أن يأتي بفكرة مختلفة تماماً عن هذه و قلة حيلة منه عن أن يخلق للمشكلة حلاً شافياً يفعّله معها بنفس الوقت، فما هو ذنب المرأة إذن في هذه الحكاية السقيمة لكي يتم الحكم عليها بالموت اختناقاً داخل نقاب؟ لماذا نحمل المرأة مسئولية إيجاد حل لخطأ ارتكبه الله؟ لماذا نحملها هي بالتحديد مسئولية إيجاد حل لهذه المشكلة العويصة؟ لماذا نلزمها هي بأن تضحي بحريتها و سعادتها الشخصية؟ لماذا لا نحمل المسئولية للرجل مثلاً؟ إذا كان الرجل قابلاً للإصابة بالسعار و يعرف ذلك عن نفسه فلماذا لا يمتنع ببساطة عن التحديق في النساء؟ 

و إذا كان هذا الحل المنطقي لا يكفي فلماذا مثلاً لا نلزم كل رجل بأن يسير في الشارع و هو معصوب العينين لكي لا يستطيع رؤية أي امرأة فيستثار، على أن يحمل في يديه عصا يستدل بها على الطريق؟ و صدقوني سيعتاد الرجل على ذلك سواء عاجلاً أم آجلاً (تحضرني هنا قصة ه. ج. ويلز بلد العميان حيث يرفض أهل قرية سكانها من المكفوفين رفضاً قاطعاً فكرة البصر مما يكاد يدفع بالرجل الوحيد المبصر بينهم إلى أن يرضى بفقأ عينيه لكي يستطيع التأقلم على الحياة في القرية) أو يمكننا كحل آخر للمشكلة أن نقوم بتكبيل الرجال مثلاً. حيث يمكن أن نلزم كل رجل بألا يخرج إلى الشارع إلا و هو مصفد اليدين خلف ظهره إلى حين أن يصل إلى مقصده حتى لا يتمكن من التحرش بالنساء. أفكار سادية و حمقاء أيضاً أليس كذلك؟ و لكنها ليست أكثر سادية و لا حماقة من فكرة الحجاب و النقاب. فعلاً الرجل ما ذنبه؟ و لكن ما ذنب المرأة أيضاً؟ إن ما يحدث للمرأة في مجتمعاتنا هو بنفس القدر من السوء إلا أنه للأسف سوء اعتدنا عليه فلم نعد قادرين على أن نحس بفداحته أو بمعاناة من يرزأن تحت وطأته. أراهن على أن أغلبية النساء في مجتمعاتنا لو كن يعرفن أن الحجاب ليس فرضاً من الله يعاقب على تركه بنار جهنم لما ارتدينه و لا "هوبن" نحوه حتى. دع عنك النقاب.


الصورة من ابداعات الزميل xyz بمنتدى اللادينيين العرب



هممم إذا كانت كل الحلول المتاحة لنا سادية و بشعة فإن الوضع مقبض تماماً إذن أليس كذلك؟ 
 
لا يا صديقي فالخبر السعيد هو أن المشكلة ليست في الحقيقة مشكلة و لا يحزنون، و أن المرأة ليست عورة و أن الرجل ليس مسعوراً. المشكلة تكمن حصراً في أذهاننا و ليست في أجسادنا و منحنياتها. هناك مجتمعات و ثقافات عديدة تعيش حرة تماماً دون أن تحمل هماً لمثل هذه الأمور. فهل نحن الوحيدون البشر على سطح هذا الكوكب؟ علينا إذن أن نراجع أنفسنا فمشكلتنا خاصة بنا نحن فقط و نحن من بيدنا حلها.

و هنا أستودعكم عقولكم إلى حين لقائنا في الحلقة القادمة :)




Monday, November 21, 2011

أساطير التحرش الجنسي


حسناً لا أدري كيف استطاعوا التقاط صورة بهذا الوضوح لحادثة التحرش المقرفة و المقززة هذه. و لكن شكراً لكل مجهود يعري سوأة مجتمعاتنا و يكشف حقيقتنا المؤلمة أمام أنفسنا.

أعلم وقع الصورة المؤلم على النفوس، و لكن رجاءً تحملوا معي قليلاً مثلما أن ملايين النساء في بلداننا المنحوسة يتحملن مثل هذه التصرفات المشينة بصورة يومية من رجال تدنوا كثيراً من مرحلة الإنسانية إلى مراحل لا تتدنى إليها أكثر الحيوانات وحشيةَ و افتراساً.





 أكثر ما لفت انتباهي في الصورة هو أن الرجل المتحرش لم يلتفت إلى المرأة المتبرجة و اختار أن يتحرش بالمرأة المحجبة الواقفة أمامه. أمر يبدو غريباً للوهلة الأولى. ترى ما هي دلالاته؟


مسألة مهمة أخرى لفتت انتباهي احتوتها التعليقات التي كتبت على الصورة و التي كانت تتهم المرأة بأنها هي المخطئة و أنها هي السبب الرئيس في ما جرى لها. بل إن بعض المعلقين على الصورة (لاحظ: الصورة و ليس الفيديو) نندوا بأن المرأة لم ترفض تحرش الرجل بها و قرروا أنها بالتالي عاهرة!!

تساءلت بيني و بين نفسي، لماذا كل هذا الظلم؟ لماذا دائماً نحن مجتمع يبريء الجاني و يدين الضحية؟ و إذا كان مفهوم العدالة في ذهن مجتمعنا مشوهاً بهذا الشكل فما هو الحل إذن؟ حتى متى سيتعين على النساء تحمل التحرش و تحمل اللوم عليه أيضاً؟

أعتقد أن السبب في هذا الظلم هو أن ثقافتنا محملة بالكثير من الأساطير التي تعشعش في أذهان الجميع حول مسألة التحرش الجنسي، أساطير غير منطقية و تترتب عليها نتائج و تصرفات فادحة. بل و أن هذه الأساطير تساهم بشكل كبير في مفاقمة مشكلة التحرش و صعوبة إيجاد حل لها.

جانب من أساطير التحرش:
  • الرجال غير قادرين على التحكم في رغباتهم الجنسية.
  • التحرش يحدث فقط للنساء المثيرات جنسياً.
  • المرأة تتسبب في التحرش لنفسها. 
  • يمكن للتصرف بطريقة معينة أو ارتداء ثياب معينة أن يحمي النساء من التحرش.
  • المتحرشون الجنسيون هم مرضى نفسيون.
  • جميع المتحرشين يفعلون ذلك لعجزهم عن العثور على شريكة راضية لممارسة الجنس معهم.
  • لا تتأذى الضحية من التحرش إلا لو تم استخدام العنف.
  • إذا لم تعلن المرأة رفضها للتحرش فهذا يعني أنها موافقة عليه.
  • النساء يرغبن في الممارسة الجنسية القسرية.

دعونا نفكفك هذه الأساطير واحدةً واحدةً: 

أولاً هناك الأسطورة التي تقول بأن الرجال (كونهم غالبية المتحرشين) معذورون لأنهم بطبيعتهم يعجزون عن السيطرة على رغباتهم الجنسية.

حسناً لا يوجد رجل و لا امرأة في الدنيا ليست لديهم رغبات جنسية أو لا يمكن استثارتهم و لكن الفرق بين الإنسان و "الحيوان" هو أن الإنسان يستطيع التحكم في رغباته بينما هذا الحيوان المسعور غير قادر أو غير راغب في التصرف بطريقة متحضرة .

إحصائياً يمكن دحض هذه الأسطورة بملاحظتنا أنه رغم أن الجميع يشعرون بالإثارة الجنسية إلا أنه ليس جميع الرجال يمارسون التحرش الجنسي. بل إن ظاهرة التحرش الجنسي و صورها تختلف باختلاف المجتمعات. فنجدها متفاقمة بشدة  في دول مثل مصر بينما نفس هذه الظاهرة كانت شبه غير متواجدة في نفس البلد قبل عقود مضت. الصورة أعلاه مثلاً من المغرب العربي بينما نجد أن الدول الغربية مثلاً تقل فيها جداً ظاهرة التحرش في الطرقات. فهل يختلف الرجال هنا عن الرجال هناك؟ أم أن اختلافات الثقافات هو الفرق؟

و يجب في هذا السياق أن نفرق بين حالتين ذهنيتين هما:

  • الإثارة الجنسية: و هي شعور "بسيط" مكمنه في الدماغ، مصدره إما الدماغ نفسه (حيث يمكن أن يكون الشخص جالساً مع نفسه مثلاً ثم يحس بالرغبة الجنسية) أو مصدره التعرض إلى مؤثر (منظر، رائحة إلخ) أو موقف مثير جنسياً.
  •  الإصابة ب"السعار الجنسي": و السعار الجنسي في مفهومي الخاص هو عبارة عن شعور مركب جزء منه هو الإثارة الجنسية التي يتم تهويلها إلى حد كبير بالإضافة إلى الكثير من النذالة و الحقارة و عدم احترام الآخرين ثم أيضاً الاستهتار و عدم الشعور بالمسئولية عن الذات، و عدم الرغبة في التحكم بها بتاتاً. و هذا الشعور بالتحديد هو السبب وراء التحرش الجنسي.

الرجال "المحترمون" مثلاً يحسون بالاثارة الجنسية و لكنهم لا يصابون بالسعار الجنسي الذي يجعلهم يهرعون للتحرش أو المضايقة أو الاغتصاب. كذلك غالبية النساء (باستثناء القلة المتحرشة) يحسسن بالإثارة مثلما الرجال و لكنهن لا يصبن بالسعار.

      و لكي تحس بالإثارة الجنسية يجب أن تكون مهيأ لها ذهنياً و إلا فإنه بإمكان منظر مثير أن يفشل في إثارتك. و يمكنك أيضاً تجاهل الإثارة الجنسية عندما تأتي إليك في اللحظة غير المناسبة. يمكنك أن تطردها من ذهنك بالتشاغل عنها بالتفكير في شيء آخر أكثر أهمية بالنسبة لك في تلك اللحظة أو أكثر قبولاً و اتساقاً مع الموقف أو حتى بغض البصر مثلاً (وسيلة إسلامية تبدو جيدة لولا أن أضاف الإسلام الحجاب مما جعل غض البصر- فعلياً- عديم الأهمية و لكن هذا حديث آخر) و يمكنك أيضاً و بالتأكيد أن تستمتع بهذا الشعور (الإثارة الجنسية) بينك و بين نفسك من دون أن تحاول الاعتداء على الآخرين. كل هذه الطرق هي طرق متحضرة للتعامل مع هذا الحالة الذهنية الطبيعية. أما السعار الجنسي فإنه يدفع بضحيته (هذا لو اعتبرناه ضحية) إلى ارتكاب أفعال أقل ما يقال عليها أنها حقيرة.


 و يظن البعض بأن المرأة عاجزة عن الشعور بالإثارة و هذا غير صحيح. كذلك يظن البعض أنه لا تأثير لرؤية جسد الرجل على المرأة و هذا أيضاً غير صحيح. قد لا يمتلك الرجل صدراً ناهداً أو منحنيات جميلة و لكنه قد يمتلك شعراً جميلاً أو عيوناً معبرة أو أكتافاً عريضة أو بطناً عضلية مشدودة أو مؤخرة جذابة أو غير ذلك من التفاصيل التي تعتبر مثيرة. و مثلما أن الإجزاء المختلفة من جسد المرأة قد تعتبر مثيرة جنسياً في ثقافات ما و غير مثيرة في ثقافات أخرى (مثلاً في بعض المجتمعات البدائية تسير النساء مكشوفات الصدور و لا يسبب ذلك أي توتر جنسي لمن حولهن. بل إن صدر المرأة و هي ترضع طفلها يمثل منظراً عادياً و غير مثير للكثير من الرجال في الوقت الذي قد يكون فيه نفس الصدر مثيراً بالنسبة لهم في موقف آخر) 





بنفس الطريقة فإنه يمكن لجسد الرجل أن يحمل دلالات مختلفة باختلاف الثقافات. و في الوقت الحالي فإن المزيد من النساء يتعلمن أن يستثرن جنسياً برؤية جسد ذكوري قوي و متناسق العضلات في الوقت الذي كانت فيه جداتهن و أمهاتهن في كثير من الثقافات غير قادرات على الشعور بالإثارة الجنسية مطلقاً و يتسمن بالبرود الذي قد يسبب الضيق لأزواجهن. و يشتكي البعض حالياً من تفاقم ظاهرة تشييء جسد الرجل و التي تبدو آثارها في الإعلانات التي يظهر فيها رجال وسيمون أو مثيرون جنسياً أو مكشوفو الجزء الأعلى من الجذع إلخ.

و على صعيد آخر فإنه مثلما أن بإمكان منظر مثير جنسياً أن يصبح غير مثير بالنسبة لك بسبب التعود فإن العكس صحيح و يمكن لشخص ما أن يتعلم الإحساس بالكثير من الإثارة الجنسية لرؤية منظر لا يعتبر مثيراً في العادة. سمعنا مؤخراً بقرار هيئة الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر السعودية أن تلاحق صاحبات العيون الفاتنة!! الحرمان الجنسي و الهوس الجنسي الناتج من التربية في مجتمع يحتل الجنس الحيز الأكبر من تفكيره و يمثل فرج المرأة شغله الشاغل يمكن أن يؤدي إلى مثل هذه النتائج المثيرة للدهشة. 

الخلاصة هي أن الأسطورة الأولى في عالم التحرش خاطئة لأن الإثارة الجنسية شعور طبيعي يشعر به الجميع من رجال و نساء و أن التحرش ليس نتيجة طبيعية للإثارة الجنسية بل هي تتطلب كذلك قدراً من اللاأخلاقية في مركب أطلقت عليه  اسم السعار الجنسي سنتطرق لتفاصيله لاحقاً

و للحديث بقية 





Saturday, August 6, 2011

آيات قرآنية- سورة البقرة 8



118

وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِيَنَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ


استكمالاً للحديث الذي ابتدأناه عند نقاشنا للآيات 111 و 112 من سورة البقرة نتطرق اليوم إلى الآية رقم 118 و التي ينتقد فيها الله مطالب بني إسرائيل التي رأوا أن تحقيقها سيكون سبباً في إيمانهم.

لا أدري ما هو الخطأ الذي ارتكبه هؤلاء عندما طلبوا أن يكلمهم الله حتى يتهمهم بالجهل و عدم العلم. الطلب مشروع جداً و منطقي تماماً بل و هو التصرف السليم لمن يُعرض عليه أمر كهذا. إذا كان الله يريدنا أن ندرك وجوده فلم لا يظهر نفسه لنا لكي نتأكد من وجوده فنعبده؟ و إذا كان هؤلاء لا يعلمون بوجود الله و بالتالي يطلبون مثل هذا الطلب فلماذا لا يكلمهم الله لكي يوفر لهم العلم الذي يحتاجون إليه و يغنيهم عن السؤال؟


لو كان الله موجوداً و وجوده مسألة تعرف تلقائياً بالعقل و المنطق و كان الله قد خلق للجميع العقول التي تمكنهم من التعرف عليه لكان مائة بالمائة من سكان العالم الآن مؤمنين. لو كان وجود الله بديهياً و مسلماً به لما جعله الله محور اختباره. لو كان وجود الله مفروغاً منه لتجاوزه الله باهتمامه لما هو أكثر أهمية منه مثل العلاقات الإنسانية و حسن التعامل بين البشر. لو كان الله واثقاً من قوة اثبات وجوده لما جعل منه محوراً لأديانه العديدة و العامل الرئيس الذي على أساسه يتحدد هل الشخص من الأبرار أم من الفجار و هل مصيره إلى الجنة أم إلى النار. تركيز الله الشديد على مسألة أن يؤمن الناس بوجوده و إلا عذبهم يجعلك تحس بأن في الأمر "إنّ" كبيرة جداً.

قالت لي احدى زائرات صفحتي: "لو كان الله موجود عياناً بشكل لا يستحث التفكير لما تمايز الناس ولما ضل البعض وأمن البعض ولما كنا مخيرين" فكان ردي عليها: "و بما أن تمايز الناس و ضلال بعضهم هو ليس شيئاً جيداً و لا يمكن أن يكون هدف الله فإذن إما أن الله قد ارتكب خطأ فادحاً و أن العقول التي منحنا لها بغرض التعرف عليه "مضروبة"، و إما أن الله غير موجود!"

إذا كان الله موجوداً فعلاً و لكن وجوده مصمم بالطريقة الخطأ التي تجعل فهمه صعباً على البشر فإذن الله واقع في خطأ شنيع. أما إذا كان الله يخفي نفسه عمداً لكي يوقع بعض البشر في الضلال فإذن هو إله سادي و حقير. الخيار المتبقي هو أن يكون الله غير موجود أصلاً. فهل هذه هي الحقيقة التي يجهلها الكثيرون؟

إذا كان الله خلقنا لعبادته فليظهر نفسه لنا و يقنعنا بأنه مستحق للعبادة حتى نؤمن به و نعبده. أي شيء آخر هو لف و دوران لا داعي له. و هو إذن في نفس الوقت ليس له الحق في معاقبتنا إن فشلنا في أن نؤمن بوجوده لأنه أخفى نفسه عمداً. و على الله أن يتحمل مسئولية تصرفاته.





Monday, July 18, 2011

آيات قرآنية - البقرة 7 - إلهٌ أبتر؟


116

وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ

منذ وقت طويل و أنا أحاول أن أعرف السبب الذي يجعل إله الإسلام يكره و يمقت و يبغض أن يكون لديه ولد. كلما اتهمه الكفار بأن لديه ولد نجده ينتفض صارخاً و هو يتميز من الغيظ: أنا ليس لدي ولد! ليست لدي زوجة! لم ألد و لم أولد! يجعلني أحس بأن امتلاك ابن هي شتيمة بالنسبة له بل و من أسوأ أنواع الشتائم. و لكن لماذا؟ ها هو ذا إله المسيحيين لديه ابن و لم تتضرر ألوهيته بشيء و عباده أكثر عدداً من عباد الله الإسلامي. فإذا كان الله يفكر و يحب و يكره و يكافئ و ينتقم تماماً مثل البشر فلماذا لا يلد مثلهم؟ و إذا كان لا يحب فكرة الولادة فلماذا لا يبيض مثلاً؟ و إذا كان لا يستطيع فلماذا لا يتبنى له طفلاً؟ أم أن الله لا يحب الأطفال؟