أقوم بإجراء الكثير من النقاشات على صفحتي على الفيسبوك حول المواضيع المنشورة هنا. أرجو الانضمام

Friday, March 8, 2013

الماضي و الحاضر و المستقبل



    كنت أقوم في اليومين الماضيين بقراءة أحد كتب المفكر السوري الرائع فراس السواح عنوانه "لغز عشتار" و هو كتاب يتحدث عن ألوهة الأنثى عبر العصور و كيف أن أول معبود خضع له الإنسان كان أنثى و هو ما يعرف بالإلهة الأم Mother Goddess  أو ما يطلق عليه كاتبنا اسم "عشتار" و هو الاسم الذي عرفت به هذه الإلهة في بلاد الرافدين.




    عكس لي ذلك الكتاب صورة زاهية عن وضع اجتماعي للمرأة لم أكن لأتخيله و لا في أجمل أحلامي. من يصدق أنه ذات يوم على سطح نفس هذا الكوكب كانت النساء تتمتعن بنفس الاحترام و الحفاوة و التكريم التي يتمتع بها الرجل بل و أكثر. يقول الكاتب أن رجال ذلك العصر كانوا شجعان أقوياء أشداء مثل رجال العصر البطريركي الذكوري و لكنهم كانوا يقدمون النساء رغم بنيتهن الأضعف، في جميع شئونهم،  ليس بدافع الخوف أو الرهبة و لكن بدافع الحب و الاحترام. حبهم للمرأة و احترامهم لها، لإمكانياتها المتعددة، لخصوبتها، لقدرتها الفريدة على منح الحياة. الحب و الاحترام الذين نفتقدهما كثيراً في عصرنا الراهن دون أن نكون واعين لذلك.

    ففي هذا العصر، الرجال يظنون أنهم هم العقلاء و النساء ناقصات عقل بينما تظن النساء أن الرجال ليسوا سوى أطفال بأجساد كبيرة يمكن خداعهم و السيطرة عليهم بمعسول الكلام. يظن الرجال أن المرأة مهما كبرت ستظل قاصراً تحتاج لولي أمر يتحكم في شئونها. و رغم ذلك يتشدق الرجال بتقديرهم و تكريمهم للمرأة. أي تكريم بالضبط؟ يؤمن الرجال عندنا بأن النساء مخلوقات تتحكم فيها الغرائز و أنهن غاويات مغويات و حبائل للشيطان بل و أن المرأة تقبل و تدبر في صورة شيطان (حديث "شريف"). بينما تظن المرأة أنه أيما رجل يقول "أحبك" فهو إنما يريد استغلالها و الوصول إلى جسدها و أن الرجال كلهم في حقيقة الأمر خائنون بالفطرة. و رغم ذلك تتشدق النساء باحترامهن للرجال. و الذي يبدو لي هو أن هذا الاحترام المزعوم ليس سوى الكثير من الرعب و الخوف من الرجل مع بعض النفاق.

     يوصي الرجل ابنه بأن يذبح لزوجته القطة يوم الزفاف لكي يخيفها و تظل تحت سيطرته و طوع بنانه بينما توصي المرأة ابنتها بأن تتحكم في زوجها جيداً و تسيطر عليه باستخدام أية طريقة كانت بدأ من الجنس و انتهاءً بالاستعانة بالدجالين و المشعوذين. أين هي المحبة؟ أم هي حرب سيطرة و صراع إرادات؟ لماذا نسي الإنسان في هذا العصر البطريركي كيف يحب؟ لماذا نسي كيف يحترم و يقدر الآخر؟ لماذا يريد الرجل أن يسيطر على المرأة بقوة القانون و تريد هي السيطرة عليه بالمكائد و الدسائس؟ في أي عصر من العصور السحيقة تاهت منا الثقة.

    إننا لا نطالب بأن تعود المرأة إلهاً يقدس و يعبد من جديد، فليس أبغض إلينا من التمييز بين الناس على حسب نوعهم. و لكن كل ما نريده هو المساواة المستحقة.

    المزيد من المشاكل في علاقة الرجل بالمرأة في هذا الجزء من العالم بالتحديد تبرز صورة تبدو أتعس بكثير من الماضي السعيد. في الإسلام هناك حديث يروى عن نبي المسلمين و يقول فيه: "النكاح استعباد" و ما كذب الرجل! فالزواج في الإٍسلام ليس سوى أن يقوم الرجل بشراء أمة له بنقوده. يدفع لها مهراً فيستحل به فرجها. ثم يظل ينفق عليها و بالمقابل يبسط سيطرته الكاملة على مجريات حياتها بأدق تفاصيلها. و بإمكانه مثلاً أن يمنعها من الخروج من المنزل تماماً لو شاء. بإمكانه أن يأمرها فلا تتزين عند الخروج و أن ينهاها فتتوقف عن العمل و تتفرغ "للأطفال". بإمكانه أن يأمرها فيحصل عليها و لو كانت على التنور. بإمكانه أن يضربها لو خاف نشوزها! و هذه يا سادتي هي "القوامة" الإسلامية! بموجب عقد الزواج الإسلامي يصير للزوج حق القوامة على الزوجة أو بلفظ آخر حق الاستعباد. أين صك العبودي.... عفواً أقصد عقد الزواج الإسلامي هذا من ذلك العقد الزوجي الفرعوني الذي عثر عليه في احدى التنقيبات الأثرية (و تجدونه في الكتاب). يتعهد الرجل لزوجته في العقد:

    منذ اليوم أقر لك بجميع الحقوق الزوجية و منذ اليوم لن أفوه بكلمة واحدة تعارض هذه الحقوق. لن أقول أمام الناس بأنك زوجة لي بل سأقول بأنني زوج لك. منذ اليوم لن أعارض لك رأياً و تكونين حرة في غدوك و رواحك دون ممانعة مني. كل ممتلكات بيتك لك وحدك و كل ما يأتيني أضعه بين يديك.

    عندما قرأت هذه العبارات تأثرت كثيراً. ربما كان ذلك أمراً عادياً جداً لدى هؤلاء الفراعنة و لكنه بالنسبة لنا في هذا العصر هو أمر غريب، مميز، مدهش، يبعث في نفسي الكثير من التقدير و الاحترام لهم، و بعض الغيرة أيضاً ممن كتبت لأجلهن هذه العقود. الحقوق الزوجية المذكورة في العقد هي مزيج من الحرية التامة و الاحترام و التقدير لرأي المرأة و المكانة الاجتماعية المميزة. و حين يتعهد الرجل بأن يضع ممتلكاته بين يدي زوجته فإنه ليس مجبراً و لا مقسوراً و لكنها الثقة و الإعزاز.

    دعونا إذن نقارن هذا الحب المدهش لدى الفراعنة بالحب في عصرنا هذا. بالنظر إلى طيبعة العلاقات القائمة داخل مؤسسات الزواج في مجتمعنا الشرقي لفتت انتباهي مسألة محيرة و هي أن الحب بطريقة ما يعتبر هو الطريق إلى الزواج و قد لاحظت التضاد الكبير بين مفهوم الحب كما يجب أن يكون و مفهوم الزواج لدى الشرقيين. فالحب يرسم صورة لارتباط عميق و تكامل بين الطرفين المحبين مبني على المودة و الاحترام بينما الزواج في مجتمعاتنا ليس سوى مؤسسة استعبادية يلعب فيها الرجل دور السيد بينما تلعب فيها المرأة دور الجارية. و شتان ما بين الحب و الاستعباد.

    عندما يتودد الرجل إلى المرأة محاولاً اقناعها بالزواج منه فإنه يتحدث عن الحب. و أنا أعتقد أن هذا نوع من الكذب و الخداع. لماذا يرسم الرجل للمرأة صورة حالمة عن طبيعة العلاقة التي يرجوها بينهما بينما حقيقة الأمر هو أنه يبحث لنفسه عن جارية و ليس حبيبة؟ هل يخطر على باله أنه فعلاً يسعى لاستعباد من يحب؟

    أحياناً أفكر أن من يحب امرأة حباً حقيقياً صادقاً فإنه سيحاول جاهداً أن ينقذها من أن تقع في براثن الزواج و ليس أن يحاول الإلقاء بشباكه من حولها!

    عندما يقول لها مثلاً أنه مستعد لفعل كل ما تطلبه أو يتعهد بأنه سينصت دائماً باهتمام لكل طلباتها و احتياجاتها فهل يخطر على باله أنه إنما يدعوها في الحقيقة إلى علاقة يكون له فيها عليها حق الطاعة و يكون فيها هو السيد المطلق و الآمر الناهي و لا يكون بيد زوجته سوى أن تسمع له و تطيع؟

    عندما يعدها أنه سيهتم بها و يرعاها و يحميها هل يخطر على باله أنه ربما تعين عليه أن يحميها من نفسه في المقام الأول؟ من استعلائه و قسوته و جبروته و سيطرته المطلقة؟

    نستطيع أن نلوم الرجل طويلاً و لكن أعتقد بأن على المرأة لكي تحظي بالاحترام و الثقة التي ترجوها أن تحترم نفسها جداً و تثق بها هي أولاً. فلا تتوقعي من الرجل أن يبادر هو باحترامك بينما تؤمنين أنت و تؤكدين بإصرار متزايد على أن عقلك ناقص. إن عشتار التي كان الرجال يتساقطون تحت أقدامها متعبدين لها راجين رضاها كانت تمشي على الأرض بثقة و فخر و خيلاء و لم تكن تلزم بيتها لأن جسدها عورة أو تكتم أنفاسها لأن صوتها عورة أو تخفي وجهها تحت طبقة تلو طبقة من الثياب.

    و ماذا عن الغد؟

    أمنياتي للمرأة الشرقية في عيدها هذا أن تتمكن من النظر لنفسها نظرة جديدة و مختلفة. أن تحاول أن ترى الإنسان الجميل الكامن داخل هذا الجسد الجميل و الذي طالما علموها أن تخجل منه و تخفيه. أن ترى هذا الإنسان و تقدره و تحترمه و تفخر به. أن تتذكر أن هذا الإنسان كان في يوم من الأيام إلهاً يتعبد له و تقدم له القرابين. أفلا يحق له اليوم أن يحظى على الأقل ببعض الحب و الاحترام و التقدير؟