أحد أفراد عائلتنا الممتدة قرر أن يتزوج على زوجته و أم أطفاله بعد زواج دام قرابة العشر سنين متهماً إياها بأنها سبب كل المشاكل التي حدثت له مؤخراً. فغضبت زوجته كثيراً و قررت أن تطلب الطلاق حتى تتمكن من الابتعاد من مصدر آلامها و بدء حياتها من جديد. فإذا بجميع أفراد العائلة يتدخلون، و يحاصرونها بنصائحهم بأن تبعد فكرة الطلاق هذه عن ذهنها تماماً و أن تصبر و تتحمل عسى الله أن يصلح الأمور بينهما و عساها أن تجد السعادة في تأقلمها على حياتها الجديدة، فهي ليست أول امرأة يتزوج عليها زوجها و على كل حال فهو لم يرتكب خطأً فقد حلل له الله الزواج بأربعة لو شاء.
أغضبني كلامهم كثيراً فقلت لهم بأن الخيانة خطأ و لن يصبح الخطأ صواباً فقط لأن رجلين وضعا منديلاً فوق يديهما و تمتما ببعض الكلمات السحرية في وجود مأذون. الخطأ لن يصبح صواباً مهما كانت شخصية من صوبه حتى و لو كان الله ذات نفسه. قلت لهم أن الإنسان ذا الضمير لن يرتكب الخطأ و لن يخون زوجته حتى و لو قال له الله أنت على صواب لأن ضميره سيرشده للتمييز بين الصواب و الخطأ.
فصمتوا قليلاً ثم أجابوني: يجب عليها أن تتحمل لأجل أطفالها.
- لماذا؟
- لأنها لو تطلقت فسوف لن يهتم والدهم بالإنفاق عليهم و لأن طلاقها سيؤدي إلى ضياع الأطفال بين الوالدين.
عجبت كثيراً لهؤلاء الأطفال الذين لا يسمح لهم بأن يعيشوا حياة كريمة إلا بتدمير حياة شخص آخر و عجبت لهذا المجتمع الذي يجب أن يكون الشخص الآخر فيه دائماً هو المرأة، الأم، الزوجة. عجبت لماذا لم يدع أحد الزوج لأن يكتفي بالزوجة التي لا يحبها كنوع من التضحية لأجل الأطفال. عجبت لماذا لم يدع أحدهم الأب إلى الحرص على الإنفاق على أطفاله رغم الانفصال. عجبت لماذا لم يطالب أحدهم الأب بأن يعدل بين هؤلاء الاطفال و بين أطفاله القادمين في الطريق. عجبت لماذا لم يفكر المجتمع في أي من هذه الحلول و كان الحل الوحيد الذي فكروا فيه هو التضحية بحياة الأم و تدميرها بجعلها تعيش إلى الأبد زوجة للرجل الذي خانها و يظل يخونها مع امرأة أخرى.
الطفل و الأم كلاهما إنسانان و حياتهما لها نفس القيمة و نفس الأهمية فلماذا نصر دائماً أن من حقنا التضحية بحياة الأم لأجل حياة الطفل؟ هذه الأم ليست لها غير حياة واحدة فقط لن تعيش غيرها فلماذا نطالبها بالتضحية بها و كأنه الحل الوحيد دون أن نلتفت إلى فداحة هذا الحل؟ عندما تكون الأم حاملاً و تتطلب الظروف الصحية أن نختار بين حياة الأم أو حياة الجنين فإننا نضحي بحياة الجنين لإنقاذ حياة الأم. فما الذي يتغير بعد أن يولد هذا الجنين و يصير طفلاً؟ لا أحد ينادي بالتضحية بحياة الطفل و لكن ألا يمكن أن نمنح الحياتين قيمة واحدة؟ استسهل المجتمع كثيراً أمر التضحية بالأم لدرجة أنه توقف عن التفكير في أي حلول أخرى. لماذا لا نفكر كيف يمكننا أن ننقذ كلتا الحياتين؟ لماذا لا نشجع الأم على أن تنتصر لكرامتها و في نفس الوقت تفعل ما بوسعها لإسعاد أطفالها و الحفاظ على حقوقهم؟ لماذا لا نحاول تفعيل قوانين تحافظ على حقوق الأطفال الذين ينفصل والداهم؟ لماذا لا نفعل القوانين التي تلزم الوالد بالإنفاق على أطفاله؟ لماذا لا نسلح بناتنا بالعلم و العمل لكي تصبح لهن الاستقلالية الاقتصادية التي تسمح لهن بالإنفاق على أبنائهن من حر مالهن في حال تخاذل الزوج عن المشاركة؟ أ لم يكن عمل المرأة و ثراؤها الاقتصادي ليمثل الحل الأمثل لمثل هذه المعضلة؟ لماذا يتجاهل المنادون بحرمان المرأة من حقها في العمل بدعوى أن عملها الأساسي داخل بيتها مثل هذه المواقف التي يحتم حلها أن يكون لديها من الأموال ما يكفي لكي تكون أماً منفردة single parent؟ لماذا ينسون أو يتناسون عندما يدعون المرأة للبقاء في البيت و الاعتناء بأطفالها و منزلها أنه قد تأتي لحظات لا يتوفر فيها لهذه المرأة رجل لكي يعيلها هي و أطفالها؟ ربما توفي زوجها أو طلقها أو تزوج عليها أو كان ببساطة نذلاً أو كانت تنتمي إلى أسرة فقيرة. ماذا تفعل المرأة في مثل هذه الحالة؟
لماذا أصلاً ينبغي على المرأة أن تنتظر رجلاً لكي ينفق عليها سواء كان هذا الرجل متوفراً أو غير متوفر؟
بإمكاننا أن نربي أطفالنا الذكور بحيث يصيروا رجالاً ناضجين مسئولين و غير أنانيين، يحترمون حقوق زوجاتهم و أبنائهم المادية و المعنوية. ما دام الرجل لا يرضى أن تتزوج عليه زوجته فينبغي عليه ألا يرتضي لها مثل هذا الموقف المؤسف.
الأم هي إنسان له مشاعر و رغبات و له كرامة و هي ليست عبارة عن مخلوق الهدف الوحيد من وجوده هو العمل على خدمة و إسعاد الأطفال. من حق الأم أن تحب نفسها أكثر من أي شخص آخر مثلها مثل أي إنسان طبيعي يحب نفسه و يحب لها الخير أكثر من أي شئ آخر. لماذا ننزع هذا الحق من المرة بمجرد أن صارت أماً، و نتوقع منها أن تنحي نفسها إلى المرتبة الثالثة أو الرابعة بعد كل أطفالها؟