أقوم بإجراء الكثير من النقاشات على صفحتي على الفيسبوك حول المواضيع المنشورة هنا. أرجو الانضمام

Saturday, March 20, 2010

عن العنوسة أتحدث


عندما كنت لا أزال مراهقة غريرة أبحث عن ذاتي و عن من أكون و أحاول جاهدة أن أتمكن من أن أحترم نفسي رغم إسلامي وقتها، وقع في يدي ذات يوم كتاب من تلك الكتب الدينية التي تؤلفها الشيخات العرعورات و تتتكفل دولة عرعرستان بطباعتها ثم توزيعها على النساء مجاناً في شتى أنحاء العالم الإسلامي لكي يتعملن منها كيف يحتقرن أنفسهن أكثر و يكرهن أنوثتهن و يسفهن طموحاتهن. قرأت في ذلك الكتاب عبارة أثرت فيّ كثيراً وقتها و أصابتني بالكثير من الأسى و الألم. قالت الكاتبة العرعورة ناصحة الفتيات: "يا ابنتي لا يغرنك نداء من يحاولون الاقتداء بالغرب الكافر و إفساد نساء المسلمين بقولهم أن على الفتاة أن تكمل تعليمها أولاً ثم تتزوج. كيف ترفضين الزواج إلى حين ذلك الوقت؟ ستعنسين! فأنت يا عزيزتي دون الخامسة عشرة تُطلَبين و فوق الخامسة عشرة تَطلُبين. "
لحظتها انكسر شئ في داخلي (للمرة المائة بعد الألف منذ أن نشأت في هذا المجتمع الإسلامي) و أصبت بالذعر. هل حقاً علي أن أتزوج خلال عامين من الآن و إلا أصبحت عديمة القيمة و صار لزاماً علي أن أناضل بل و أن أذل نفسي أيما إذلال لكي أتمكن من الزواج؟

عندما أفكر في الأمر الآن أجده مضحكاً جداً. فكيف تطلب من طفلة صغيرة لا تعرف عن الحياة شيئاً بل و لم تتعرف على نفسها بعد أن تتزوج؟ الزواج في الخامسة عشرة؟ يبدو هذا بالنسبة لي كابوساً مرعباً. كان من حسن حظي أن أسرتي من النوع الذي يؤمن بأنه لا زواج قبل اكمال المرحلة الجامعية و هذا ما دعمني معنوياً كثيراً و لكن كنت كلما تذكرت تلك العبارة فكرت لماذا تنقص قيمة المرأة كإنسان كلما تقدمت في السن؟ صراحة إلى الآن لا أعرف بشكل واضح المغزى من وراء مسألة الخامسة عشرة تلك و لكن ما تعلمته هو أن ما يعرف بسن اليأس هو ما يجعل المرأة تعيش في حالة رعب دائمة محاولة الزواج قبل أن يفوتها القطار و تصبح غير قادرة على الإنجاب. المذهل في الأمر أن الفتيات يبدأن في التخوف من بلوغ سن اليأس حالما يبلغن سن العشرين!!

أعتقد أن على السيدات الشرقيات أن يفكرن عميقاً:
-          لماذا نتزوج؟ لماذا يتزوج الإنسان؟ و المرأة تحديداً؟ هل هدفنا الرئيسي من الزواج هو الحصول على أطفال؟ أم هو الهروب من صفة عانس؟ أم هو التخلص من وجع الدماغ الذي يسببه لنا المجتمع لإجبارنا على الزواج بأسرع ما يمكن؟ أم ربما نتزوج لكي نتمكن من الاحتماء بظل رجل. ماذا إذن عن الزواج لأننا قد عثرنا على شخص ما نحبه و نثق به و نرغب في أن نتشارك معه حياتنا؟ هل تتزوج  المرأة لكي ترضي نفسها أم لكي ترضي الآخرين؟ هل تتزوج لكي تشبع رغباتها أم لكي تشبع رغبات المجتمع من حولها؟

-          سؤال آخر: لماذا ترغب المرأة بشدة في انجاب الأطفال؟ هل لأنها تحب الأطفال كثيراً و ترغب في أن يكون لديها طفل تلهو معه و تستمتع بصحبته؟ أم لأنه يجب على كل امرأة أن يكون لها أطفال فقط و هكذا من دون الحوجة لتبرير أكثر؟ أم لكي تباهي المجتمع بعدد أطفالها؟ أم لكي تسعد زوجها بالأطفال؟ أم لكي تؤمن مستقبلها؟

-          هل الأفضل للمرأة أن تنتظر الزوج المناسب و لو بعد سن الأربعين؟ أم تتزوج بأي شخص كان لكي لا يفوتها القطار؟ ماذا عن الأطفال؟ ماذا إن تزوجت الشخص المناسب و لكن لم تنجب له؟ ماذا عن خيار التبني؟ ما الفرق بين طفل يحمل جيناتي و طفل آخر لا يحملها؟ هل سيؤثر ذلك على أمومتي له أو على بنوته لي؟ ماذا لو أنجبت طفلي من الرجل غير المناسب؟ هل سيكون ذلك في مصلحة الطفل و مصلحتي؟

-          لماذا جميع الفتيات مذعورات من العنوسة بينما الرجال ليسوا كذلك؟ لماذا لا يخشى الرجل أن يظل عازباً وقتما يشاء و إلى حين أن يقرر الزواج أو لا يقرره؟ بينما الفتاة تبدأ في التفكير في هم الزواج منذ أن تبلغ الخامسة عشرة؟ ما أسعد الرجال بتخلصهم من هذا الهم الثقيل الذي يجثم على صدور الفتيات كالكابوس. كيف يمكننا أن نصير مثلهم؟ أن نفكر مثلهم و نتخفف من هذا العبء مثلهم؟


https://lh3.googleusercontent.com/_RP007FAI71g/Ta0suDmN98I/AAAAAAAAAFo/cw9G1jK4Clg/s800/gg.jpg




سن اليأس هي أكثر ما يفزع النساء. فهن يفقدن مقدرتهن على الإنجاب بحلول سن الخمسين. بينما الرجل يحتفظ بقدرته على الانجاب إلى وقت متأخر من عمره. و يبدو أن سن اليأس هي خطأ بيولوجي آخر ارتكبه الانتخاب الطبيعي. نظريات عديدة تحاول أن تفسر لماذا اختارت الطبيعة أن تعيش المرأة حوالي ثلث إلى نصف عمرها و هي غير قادرة على الانجاب بينما هي  ربما لا تزال تبحث عن الشريك المناسب أو تنتظر الوقت المناسب للإنجاب. أكثر نظريتين احتمالاً تقرران أنه ربما كانت الامهات اللائي يتفرغن باكرا ً للاعتناء بأطفالهن الذين تم انجابهم سلفاً تمنحن هؤلاء الأطفال فرصة أكبر في الحياة بصحة إلى أن يتكاثروا هم بدورهم و ينقلوا جينات هؤلاء الأمهات إلى أجيال جديدة. و لذا فإن هذه الجينات انتشرت و صارت لدى النساء سن لليأس. نظرية أخرى تقول بأن السبب هو أن الجدة التي تتفرغ لرعاية أحفادها بعد وصولها لسن اليأس تساهم بقدر كبير في المحافظة على حياتهم و صحتهم مما يؤدي إلى نقل جيناتها و من ضمنها جينات سن اليأس إلى الأجيال التالية و انتشارها. و الدراسات حالياً ترجح النظرية الثانية أو التأثير المشترك للنظريتين.

و لكن في عصرنا الحالي اختلفت الأمور كثيراً فالإنسان لم يعد ذلك الكائن الذي تطور مؤخراً عن أسلافه من القرود بل قطع الإنسان أشواطا ً عديدة في ركب الحضارة. الآن في نظري لم تعد سن اليأس المبكرة هي الخيار الأفضل للنساء فعبء تربية الأطفال صار أقل نتيجة لتوفر وسائل الحياة الكريمة و لأن الاعتناء بالأطفال صار واجباً مشتركاً بين كلا من الأم و الأب و لم يعد يقع على عاتق الأم لوحدها. الجدة لم تعد تلعب ذلك الدور الحاسم في تحديد استمرار حياة الطفل من توقفها. بل صارت الجدة ذات حياة مستقلة و مفعمة بالحيوية. في رأيي أن الخيار الأفضل للمرأة صار هو أن تمتد فترة خصوبتها أكثر. العديد من النساء يحتجن إلى وقت أطول قبل أن يتخذن قرار الإنجاب. فهل يا ترى من أمل للأجيال القادمة في القرون التالية؟ هل يمكن أن تختار الطبيعة هذه طفرات جديدة تغير من واقع سن اليأس إلى الأبد؟

أما في وقتنا الحالي فيجب أن نضع مسألة الحصول على طفل في مقامها المناسب. بالنسبة لي فإن إنجاب طفلي مع الأب الخطأ هو أمر مرفوض تماماً. و البديل لذلك و هو العنوسة (و أفضل استخدم تعبير العزوبية الذي يستخدم للرجال) أكثر قبولاً بالنسبة لي. سألت نفسي ذات مرة ما إذا كنت سأقبل بالزواج من رجل لا أتوافق معه إن اقتربت من السن المحرمة و فاجأتني الثقة التي أجبت بها بأنني على أتم الاستعداد لأن انتظر الرجل المناسب حتى و إن تزوجت و أنا في الخمسين من عمري أو لم أتزوج أبداً. بالنسبة للأطفال يمكننا دائماً أن نتبنى لو شئنا. سيقول الكثيرون أنني بهذا الخيار أحلم بالشريك فوق المثالي و لكن رأيت أمثلة ناجحة لم يكن فيها الأطفال شرطاً حتمياً لنجاح الزواج و سعادة الزوجين، دعك من اشتراط أن يكون الأطفال حاملين لنفس جيناتهما. أعترف بأن هذا شئ نادر الحدوث و لكن علينا أن ندفع مجتمعاتنا لهذا الاتجاه. تقديم التنازلات هو أمر أساسي و لا مفر منه عند اختيار الشريك و لكن هناك اختيارات خطؤها شديد الوضوح و يجب سيدتي ألا تسمحي للمجتمع أو لأي كان بضغطك للقبول بمثل هذا الخيار.

كذلك لاحظت أن هناك مفهوم منتشر بين الفتيات بأن الرجل عملة نادرة و أن على المرأة ألا ترفض الرجل الذي يتقدم لها لأنه قد لا يتقدم لها غيره فالرجال قليلو العدد مقارنة بالنساء. عدد من يؤمنون بهذه المعلومة المغلوطة هو عدد خرافي و لا شك فالكل من أكثر الناس بساطة إلى أرفعهم مراتب تعليمية و اجتماعية يظنون بأن عدد الرجال في العالم أقل بكثير من عدد النساء. بل بعض المسلمين مؤمنون بأن نسبة الرجال إلى النساء هي واحد إلى أربعة و أنه في هذا تكمن حكمة إلههم بأن حلل للرجال الزواج من أربعة حتى تجد كل امرأة مسلمة من "يستر" عليها!! دع عنك أن المرأة أصلاً لا تحتاج لمن يستر عليها. الأمر كله لا يتعدى كونه كذبة كبيرة. عدد الذكور في العالم أكبر من عدد الإناث. (راجعوا هذا الجدول و هذا) و  عدد المواليد الذكور يفوق بقليل عدد المواليد الإناث دائماً و لكن الإناث بحكم أنهن الجنس الأقوى بيولوجياً و الأقل تعرضاً للأمراض و أطول عمراً يتساوى عددهن بعدد الذكور في منتصف العمر ثم يزيد عددهن عن عدد الذكور في الشيخوخة حيث نجد عدد المعمرات أكبر من عدد المعمرين. إذن لا داعي لأن تقلقي عزيزتي بخصوص هذه النقطة. إن كان على أحدهم أن يقلق فهو الرجل لأن أعداد الرجال أكبر من أعداد النساء و تقريباً في كل 105 رجل هناك خمسة رجال يفترض أنهم لن يجدوا امرأة ليرتبطوا بها.


https://lh6.googleusercontent.com/_RP007FAI71g/Ta0stX6jugI/AAAAAAAAAFk/fymbSS4yfYk/s800/hh.jpg


الذعر و الخوف الشديد من العنوسة هو مرض مدمر يفتك بحياة الكثير من الفتيات ففضلاً عن أنهن يصبن بالقلق الدائم و يعشن حياتهن في خوف مستمر فإنهن كذلك قد يعانين من إفراط في التعلق بأي رجل قد يدخل حياتهن و يجدن صعوبة بالغة في تقبل الانفصال بل و قد يضطررن للتنازل عن قدر كبير من كرامتهن لأجل الاحتفاظ برجل هو (في عقلهن الباطن) الأمل الوحيد و المنقذ المرتجى من العنوسة و الحظ الذي لن يتكرر ثانية و المحور الذي تنبني حوله كل قيمة لحياتهن. قالت لي صديقتي ذات يوم: إنها الحقيقة التي قد لا نقبل الاعتراف بها و لكن المرأة بالنسبة لرجلها شئ مهم بينما الرجل بالنسبة لفتاته هو كل شئ على الإطلاق. إذا لاحظت يا عزيزتي الشرقية على نفسك أي من هذه الأعراض فاعلمي أنك تحتاجين وقفة مع نفسك و تفكيراً عميقاً و طويلاً فلا يجب أن تكون سعادتك معتمدة بالكامل على إنسان آخر بل كوني أنت المصدر الرئيسي لسعادتك و القيمة الكبرى في حياتك. لقد توصل الرجال إلى هذه الوصفة الصحية قبل النساء و آن الأوان لكي تكتشفها النساء كذلك.

من سيبدأ بتغيير نظرة المجتمع إلى السيدة العازبة (العانس)؟ أجل نحن فنحن  جزء من المجتمع. غيري نظرتك لنفسك و أعيدي تقدير الأهمية التي تولينها للمسألة. في محيطك الصغير حاولي أن تدعمي النساء غير المتزوجات لكي يعدن اكتشاف قيمتهن الحقيقية و التي لا يقلل منها شيئاً كونهن لم يجدن الشريك المناسب و رفضن الارتباط بالشخص الخطأ. تصدي لكل محاولة للتقليل من شأنهن أو السخرية منهن. أنشري التغيير بتأني و روية و بثقة.



https://lh6.googleusercontent.com/_RP007FAI71g/Ta0srm7S4WI/AAAAAAAAAFc/mpAtnilfEwg/s800/5807431FCA981F3B_208_2.jpg.png